إقتصاددراسات و تحقيقاتفي الواجهةقانون وعلوم سياسيةقانون وعلوم سياسية و إدارية

الاتجار بالبشر لأغراض التجارب الطبية

ماجد حاوي الربيعي

تعني التجارب الطبية هي تلك الأعمال العلمية أو الفنية الطبية التي يجريها الطبيب الباحث على مريضه أو الشخص المتطوع بهدف تجريب أثر دواء معين أو نجاح عملية جراحية معينة لم تعرف نتائجها من قبل للحصول على معلومات جديدة لخدمة الطب والبشرية. وقد عرفها القانون الفرنسيِّ رقم(1138/88) الصادر في 20/12/1988 المعدل والمتعلق بكيفية إجراء التجارب الطبية ” بأنها مجموعة الأبحاث والدراسات العلمية التي تجرى على الكائن البشري بهدف تطوير العلوم الحيوية الطبية “. إن التجارب الطبية الحيوية على الإنسان هي أخطر ما يتعرض له الكائن البشري في نطاق التقدم العلمي والتكنولوجي على مر التاريخ البشري لكونها غير مضمونة النجاح في كثير من الأحيان، وذلك لان التجارب العلمية الطبية والبيولوجية بطبيعتها تحمل الكثير من المخاطر والأخطار التي يحتمل إن تلحق بالخاضعين.
وقد شهد العالم في الماضي تجارب طبية انتهكت حقوق الإنسان بصفة واضحة وبشعة تتمثل بما عمله الأطباء الألمان من تجارب مؤلمة وغالباً ما كانت قاتلة على آلاف من السجناء وقد تمت محاكمتهم أمام محكمة نورمبرغ في 9/كانون الثاني/ 1946 والتي وجهت الاتهام لهم بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية(5).
ونتيجة لمحاكمة الأطباء النازيين كانت قضية التجارب الطبية والبيولوجية الشغل الشاغل لواضعي الصكوك الخاصة بالقانون الدولي الإنسانيِّ والقانون الدوليِّ لحقوق الإنسان فقد نصت اتفاقية جنيف الأولى المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان لعام 1949، في المادة (12) منها على إنه “لا يجوز…. التعرض للتعذيب أو التجارب البيولوجية” وكذلك نص البروتوكول الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية لعام 1977 في المادة (11) منه على حظر القيام بالأفعال التالية على هؤلاء الأشخاص حتى بموافقتهم أ-التشويه البدني. ب-التجارب الطبية أو العلمية. ج-إزالة الأنسجة والأعضاء للزرع.
كما نصت اتفاقية مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية لعام 1991 في المادة (4) منها على ما يأتي “لا يجوز مطلقاً إجراء تجارب إكلينيكية وعلاج تجريبي على أي مريض دون موافقته عن علم ويستثنى من ذلك حالة عجز المريض عن إعطاء الموافقة عن علم حيث لا يجوز عندئذٍ أن تجرى عليه تجربة إكلينيكية أو أن يعطي علاج تجريبي إلا بموافقة هيئة فحص مختصة ومستقلة تستعرض حالته ويتم تشكيلها خصيصاً لهذا الغرض”.
وكذلك أشارت مبادئ إعلان ميثاق هلسنكي الصادر في عام 1964 والمعدل في صيغته الحالية لعام 2000 على أنه” لا يجوز البدء في التجارب الطبية إلا بعد الموافقة الكتابية الصريحة من الشخص الخاضع للتجربة أو البحث العلمي وفي حال المشاركين القُصّر أو عديمي الأهلية القانونية تؤخذ الموافقة من ولي الأمر أو الوصي بما لا يتعارض مع القوانين النافذة في البلاد والتي تجرى فيها التجربة أو البحث وفقاً للأخلاقيات الطبية والأعراف العلمية والفنية “.
وقد أشار إعلان الأمم المتحدة بشأن استنساخ البشر الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (59/280) في 8/ آذار / 2005. إلى دعوة الدول الأعضاء إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الحياة البشرية بشكل ملائم، وحظر جميع أشكال استنساخ البشر بقدر ما تتنافى مع الكرامة البشرية وحماية الحياة الإنسانية.
وإلى ذلك أشارت بعض التشريعات الوطنية بعدم جواز إجراء التجارب الطبية على أي شخص من دون رضاه ومنها الدستور المصري لعام 2014 والذي نص في المادة (60) منه على ” لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون ويحظر الاتجار بأعضائه ولا يجوز إجراء أية تجربة طبية أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق وفق الأسس المستقرة في مجال العلوم الطبية على النحو الذي ينظمه القانون “
كما نص قانون حماية الصحة الجزائري رقم 5 في 16/2/1985 المعدل بالقانون رقم17 الصادر في 31/7/1990 في المادة (168) منه على أنه “يجب حتماً احترام المبادئ الأخلاقية العلمية التي تحكم الممارسة الصحية أثناء القيام بالتجارب على الإنسان في إطار البحث العلمي “.
إن تواطؤ بعض المستشفيات العامة والمؤسسات العلمية مع الشركات الكبرى للمتاجرة بصحة الإنسان أدى إلى انتشار تلك التجارة غير المشروعة كما يدل المثال الصارخ الذي كشفت عنه وسائل الإعلام البريطانية فقد نشرت إحدى الصحف إن العاملين في مشرحة الجثث في مستشفى الأطفال في برينجهام كانوا يبيعون الغدة النخامية من الجثث إلى شركة أدوية كانت متخصصة في إنتاج هرمون النمو ولم توقف تلك الممارسات إلا بعد أن أدت هذه الهرمونات العلاجية التي تنتجها الشـركة إلى وفاة (25) مريضاً.
لذلك فقد عدَّت بعض التشريعات الوطنية استغلال البشر في التجارب الطبية صورة من صور الاتجار بالبشر إذا تم الاستغلال بالأفعال والوسائل المنصوص عليها ومنها قانون مكافحة الاتجار بالبشر العراقي رقم 28 لسنة 2012 في المادة الأولى منه والذي عرف الاتجار بالبشر على انه ” تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل ألقسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية “.

المحامي ماجد الربيعي
المدير المفوض لشركة انوار المسلة الدولية
للخدمات والاستشارات القانونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى