جواسيس

عملية من طراز حروب المافيات -إعادة

سعيد مضيه

لأ أدري هل يمكن نشر هذا المقال المنشور سابقا . ولكن حيثياته التي نشرت في 5/10/2022 تماثل ماجاء في تقرير سيمور هيرش، الذي نشر بعد ذلك بعدة أشهر. احترم سيمور هيرش ونشرت على الحوار المتمدن حلقات من كتاب مذكراته – مذكرات صحفي التقصي_ ولكن ديانا جونستون صحفية تقصي أيضا وجريئة في نشر ما تتوصل اليه، لكنها أقل شهرة.
عملية من طراز حروب المافيات

“بكل تأكيد أعلن تخريب انبوب الغاز نورد ستريم 2 ان الحرب في أكرانيا لا يمكن إلا ان تزداد ضراوة بدون نهاية تبدو بالأفق”، كتبت ديانا جونستون ، الكاتبة و صحفية التقصي الأميركية في مقالة نشرتها في 28 سبتمبر/ أيلول 2022 يعنوان “أومرتا في حرب الغانغستر”؛ تعقد الكاتبة مقارنة بين حروب المافيات وتصرف الرئيس بايدن إزاء انبوب الغاز. هي مؤلفة كتاب “الحرب الصليبية للحمقى: يوغوسلافيا. الناتو واوهام الظلام”. وآخر كتبها ” دائرة بالظلام: مذكرات مراقب عالمي”.
تقول في مقالتها:
يشنون الحروب لاحتلال بلدان او شعوب او مناطق؛ أما حروب الغانغستر(عصابات المافيا) فتشن من اجل إزاحة المنافس. في حروب الغانغستر يصدر تحذير غامض ، ثم ينطلق تهشيم الشبابيك أو تضرم النيران في الأماكن.
حرب ا لغانغستر يشنها زعيم مافيوي لا يسمح لأحد من خارج العصابة بالتموضع في منطقة نفوذه . بالنسبة للطائرات المسيرة في واشنطون يمكن ان تكون منطقة نفوذها أي بقعة في العالم؛ لكن منطلقها اوروبا المحتلة.
مصادفة غير حاذقة حدث ان جو بايدن أيضا شبيه بزعيم مافيا ؛ يكسو وجهه بابتسامة نصفية مثل زعيم مافيا. ويتأكد بذلك كل من يشاهد الفيديو:
بايدن لمراسل صحفي: “إذا غزت روسيا … فحينئذ لن يكون نورد ستريم رقم 2. سوف نضع حدا له”.
المراسل : لكن كيف ستنفذ ذك، بالضبط ، نظرا لكون المشروع خاضع لسيطرة ألمانيا؟
بايدن: أعدك ، سوف نستطيع تنفيذ المهمة”
بمقدوره بكل تأكيد.
مليارات الدولارات بلغت كلفة تمديد أنبوب الغاز نورد ستريم 2 عبر بحر البلطيق من موقع قريب من بطرسبرغ حتى ميناءغرينسفيلد بألمانيا . كانت الفكرة ضمان انابيب نقل الغاز بامان الى ألمانيا وبلدان اوروبية أخرى وتجنب مرورها بأراضي اكرانيا المضطربة ، والمعروف عنها انها على استعداد لاستخدام حقوق التمرير لتخزين الغاز لنفسها أو ابتزاز العملاء.
بالطبع، ناصبت أكرانيا العداء لخط نورد ستريم؛ وكذلك الولايات المتحدة وبولندا ، ودول البلطيق الثلاث، فنلندا والسويد(هكذا بالنص الإبجليزي) ، وجميعها ظلت يقظة على ما كان يجري في بحرها.
بحر البلطيق شبه مغلق، بممر ضيق للأطلسي وعبر مضيقي الدانيمارك والسويد. مياه منطقة جزيرة بورنهولم الدانيماركية ظلت تحت مراقبة عسكرية دائمة من قبل الجيران ، حيث جرى تدمير أنبوب الغاز بتفجير قوي تحت المياه .
وكما كتب جينز بيرغر على موقع اتشدينكزاتن الإليكتروني الألماني المتميز ، “يبدو من المستحيل تماما ا ن يستطيع ممثل دولة وسط هذه البقعة المعرضة لمراقبة مكثفة تنفيذ عملية ضخمة بدون ان تلحظه مجسات نشطة من قبل الدول المحيطة. بالتأكيد ليس مباشرة قرب جزيرة بورنهولم، حيث تلتقي الدانيمارك والسويد والمانيا في مراقبة الأنشطة على سطح المياه وتحت المياه “.
وفي شهر حزيران الماضي كتب بيرغر برؤية تنبؤية :
“جرت مناورات بالتويس العسكرية لحلف الناتو في بحر البلطيق؛ تحت قيادة الأسطول السادس التابع الولايات المتحدة ، شاركت 47 سفينة حربية في المناورة هذا العام، شملت الأسطول الأميركي المحيط لحاملة طائرات الهيليوكبتر ، كيار سارغ. ويحتفظ باهمية خاصة ان إحدى المناورت اجرتها القوة الضاربة68 للأسطول الأميركي السادس – وهي وحدة خاصة مكلفة بوضع متفجرات ضمن عمليات تحت المياه ، وهي نفس الوحدة التي ستكون اول عنوان يتوجه اليه التحقيق في عمل تخريبي للأنابيب تحت المياه”.
في حزيران الماضي هذه الوحدة بالذات اشتركت في مناورة على مقربة من جزيرة بورنهولم ، استعانت بعربة مسيرة تعمل تحت المياه.
ارتأى بيرغر ان عملية تخريب كبرى ” لا يمكن ان تنفذ مباشرة تحت أنوف عدد من الدول دون ان يلحظها اي منها “. لكنه يضيف الملاحظة الذكية التالية: ” إذا أردت إخفاء شيء ما ، فمن الأفضل إخفاءه على مرأى الجميع”.
لكي يتم وضع أجهزة متفجرة بجانب انبوب غاز بملاحظة البعض وليس الكل، يتطلب الأمر حركة معقولة تبعد الشكوك- سبب للغوص قرب جزيرة بورهولم دون ان يثير الارتياب بتعمد القيام بعمل تخريبي. لاحاجة لأن تكون له صلة مباشرة بزمن التفجير؛ إذ يمكن، بالطبع، للمتفجرات الحديثة ان تفجر عن بعد ؛ لذا من الذي قام بعمليات في المنطقة البحرية خلال الأسابيع الماضية ؟ كما يود الحظ فقد كانت الوحدة العسكرية الضاربة بالذات، يو إس إسكيار سارج، تعمل بالقرب من جزيرة بورنهولم في الأسبوع الماضي.
باختصار أثناء مناورات الناتو بمستطاع بعض المشاركين وضع المتفجرات، ليتم تفجيرها لاحقا في اللحظة المختارة.
وبمصادفة غريبة بعد تخريب نورد ستريم 1و2 ببضع ساعات بدأت احتفالات تدشين خط الغاز من النرويج الى الدانيمارك وبولندا.
الأهمية السياسية للتفجير
على كل حال يتسرب الغاز بخطورة من الأنبوب(أعلنت روسيا لاحقا توقف التسرب) . بقي الأنبوب جاهزا للاستخدام حيثما يتم التوصل الى اتفاق؛ والأهمية الدرامية الأولى للتخريب أنه ما من اتفاق يمكن التوصل اليه في الوقت الراهن. سيكون نورد ستريم -2 المفتاح لنوع من تسوية بين روسيا والأوروبيين. حقا أعلن التخريب ان الحرب لا يمكن إلا ان تزداد ضراوة دون نهاية في الأفق.
في المانيا وجمهورية تشيكيا وبلدان أخرى بدات التحركات تتعاظم للمطالبة بإنهاء العقوبات، خصوصا لحل أزمة الطاقة عن طريق تشغيل نورد ستريم -2 للمرة الأولى. بذا فالتخريب أتاح مشروعية المطلب الرئيس لحركات السلم السياسية في ألمانيا واوروبا.
قبل كل شيء ، فالعمل التخريبي هذا تخريب متعمد لأي احتمال للتوصل الى السلم في أوروبا. والخطوة التالية من جانب الغرب ان تدعو حكومات حلف الناتو جميع مواطنيها مغادرة روسيا في الحال؛ استعدادا لماذا؟
الروس فعلوها !
ضمن هذه الحالة الكارثية تبدي جميع هيئات الميديا الرئيسة في دول الغرب استغرابها من يمكن إدانته بالحادث؛ بصورة آلية توجهت الشكوك الى …روسيا. الدافع؟ “لرفع سعر الغاز” او ” لنشر الاضطرابات في اوروبا”- .
صناع الرأي الأوربيون يظهرون نتيجة سبعين عاما من الأمركة، خاصة في المانيا ، وكذلك في فرنسا وغيرهما ؛ خلال عقود متتالية تعمدت الولايات المتحدة بصورة منهجية التأثير في الأجيال الصغيرة ، تدعوهم لأن يصبحوا “قادة شباب” ، تدعوهم لزيارة الولايات المتحدة وتؤدلجهم ب “قيمنا”، وتجعلهم يشعرون انهم أعضاء الأسرة العظيمة على جانبي الأطلسي. اجيال الشباب مرتبطون بشبكة مراكز عليا في السياسة والميديا. وفي السنوات الأخيرة استثير جزع عظيم حول جهود روسية مزعومة لفرض ” نفوذها” على الأقطار الأوروبية، بينما يغرق الأوروبيون في نفوذ أميركي مستدام : السينما ، نيتفليكس، الثقافة الشعبوية، نفوذالجامعت، الميديا ، في كل مكان.
عندما تضرب المصائب اوروبا لا أستطيع لوم أميركا ( باستثناء الرئيس السابق دونالد ترمب، لأن الدولة العميقة بالولايات المتحدة احتقرته ورفضته، ولذا فعلى الأوروبيين ان يفعلوا نفس الشيء). لا بد ان يكون المرذول الشخص السيئ في السينما ، بوتين. لم يستطع راديك سيكورسكي ، وزير خارجية بولندا الأسبق ، أن يكبح جماح نفسه ، حيا بخاطرة مبتهجة بتويتر، “شكرا الولايات المتحدة!” تسرب الغاز بغزارة من الأنبوب المدمر. غير ان بولندا كانت أيضا ترغب ، وربما كان بمقدورها ان تقوم بالمهمة، وكذلك آخرون في بلدان الناتو. غير انهم جميعا فضلوا الشك في روسيا.
رسميا، حتى الآن لا تعرف أي حكومة في الناتو من فجر الأنبوب، او ربما الجميع يعرف . ربما يشبه التفجير في غموضه غموض قطار اكسبريس الشرق في رواية أغاثا كريستي، حين حامت الشكوك حول جميع المسافرين، وجميعهم مدانون. والجميع متحدون في أومرتا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى