أحوال عربيةأخبارأخبار العالمفي الواجهة

لماذا تسعى الجزائر وتركيا إلى تطوير العالقات الثنائية؟

مركز العالم العربي للابحاث و الدراسات

توافق المصالح:
لماذا تسعى الجزائر وتركيا إلى تطوير العالقات الثنائية؟
تتجـه تركيـا والجزائـر نحـو تعزيـز العالقـات الثنائيـة فيمـا بينهمـا، علـى ً فـي الزيـارة التـي من المقـرر أن يقـوم بها الرئيـس التركي نحـو يبـدو جليـا
رجـب طيـب أردوغـان إلـى الجزائـر للقـاء نظيـره عبـد المجيـد تبـون، فـي أكتوبـر القـادم، والتـي تأتـي بعـد أقـل مـن ثالثـة أشـهر علـى الزيـارة التـي قـام بهـا األخيـر إلـى تركيـا فـي 22 يوليـو الماضـي، بهـدف مناقشـة القضايـا التـي تحظـى باهتمـام خـاص علـى المسـتويين الثنائـي والاقليمي.
ً علـى صعيـد تطويـر ً معتبـرا وقـد قطعـت تركيـا والجزائـر بالفعـل شـوطا المصالـح المشـتركة، خـال اآلونـة األخيـرة، األمـر الـذي تمـت ترجمتـه ً عن فـي سلسـلة مـن الاتفاقيـات التـي أبرمـت فـي مجـاالت متنوعة، فضـا الزيـارات المتبادلـة، وكان آخرهـا زيـارة وزيـر الخارجيـة الجزائري أحمد عطـاف إلـى أنقـرة فـي 6 سـبتمبر الحالـي.
ومـن دون شـك، فـإن مـا يزيـد مـن أهميـة تلـك الزيـارة التـي سـيقوم بهـا أردوغـان، هـو أنهـا تأتـي فـي وقـت تتصاعـد فيـه حـدة بعـض الأزمـات،
لا سـيما فـي ليبيـا والنيجـر، بالتـوازي مـع اسـتمرار الحـرب الروسـية الأوكرانيـة ومـا تفرضـه مـن أزمـة طاقـة مـا زالـت تمثـل رقمـا التفاعـات التـي تجـري علـى السـاحتين اإلقليميـة والدوليـة.
متغيرات رئيسية
يمكـن القـول إن ثمـة متغيـرات رئيسـية بـات لهـا تأثير مباشـر علـى تحديد اتجاهـات العالقـات بيـن الجزائـر وتركيـا، وهـو مـا يمكـن توضيحـه علـى عن “العالم العربي”

النحـو التالي:
-1 تفاقـم األزمـات فـي منطقـة السـاحل: وذلـك نتيجـة الانقلابـات العسـكرية المتواليـة التـي شـهدتها المنطقـة، وكان
آخرهـا فـي الجابـون فـي 30 أغسـطس الفائـت، وقبلهـا فـي النيجـر فـي 26 يوليـو الماضـي، حيـث تمـت الاطاحـة
بالرئيسـين علـي بونجـو ومحمـد بـازوم القريبيـن مـن فرنسـا. ولـم تكـن التطـورات في غـرب أفريقيا مقصـورة على
النيجـر والجابـون، فقـد سـبق ذلـك التغييـرات السياسـية التـي جرت في بوركينافاسـو وغينيـا، وهي دول تمثـل أولوية
اسـتراتيجية بالنسـبة لتركيـا والجزائـر، علـى نحـو سـيكون أحـد محـاور المحادثات التي سـتجري بين المسـئولين في
الدولتيـن خـال الزيارة.
-2 تنامـي التعـاون الاقتصـادي الثنائـي: تأتـي الزيـارة المحتملـة فـي أكتوبـر المقبـل فـي ظـل تطور الفـت للعلاقات مع الاطراف على نحو مسـبوق فـي السـنوات الثـاث الماضيـة، حيـث والاقتصادية بينهمـا، والتـي شـهدت زخمـا
ً لتصريحـات وزيـر الخارجيـة الجزائـري أحمد عطاف عشـية اتفاقيـات بشـأن تعميـق الشـراكة الاسـتراتيجية. ووفقـا
زيارتـه لتركيـا فـي 6 سـبتمبر الجـاري، فـإن معـدل التبـادل التجـاري بيـن البلديـن يقتـرب مـن 10 مليـارات دوالر،
com.arabwall.www 3
وأضــاف: “إن الجزائــر أصبحــت ثانــي شــريك تجــاري لتركيــا بتجــارة بينيــة تفــوق 5 مليــارات دوالر”، وتابــع:
ً”. كما تجدر
“أصبحـت الجزائـر الوجهـة األولـى لالسـتثمارات التركية المباشـرة بقيمة تفوق 6 مليـارات دوالر حاليـا
اإلشـارة إلـى أن الشـركات التركيـة شـهدت زيـادة الفتـة فـي السـوق الجزائريـة خـال الفتـرة الماضيـة، حيـث بلـغ
عددهـا مـا يقـرب مـن 1500 شـركة، سـاهمت فـي توفيـر أكثـر مـن 30 ألـف فرصـة عمـل.
-3 اسـتمرار انعكاسـات الحـرب الروسـية-األوكرانية: مـا زالـت تلـك الحـرب تفرض تداعيات مباشـرة على السـاحة
ً بعـد انسـحاب روسـيا مـن اتفاقيـة
الدوليـة، والتـي باتـت مرشـحة لمزيـد مـن التوتـر خـال المرحلـة المقبلـة، خاصـة
الحبـوب فـي 17 يوليـو الماضـي ورفضهـا تجديـد العمـل بهـا فـي وقـت تتجـه فيـه الـدول الغربيـة إلـى زيـادة دعمهـا
العسـكري ألوكرانيـا، وهـو مـا قـد يضـع الجزائـر ومعهـا تركيـا فـي مرمـى الضغـوط الغربيـة التـي تسـتهدف
محاصـرة موسـكو خـال المرحلـة المقبلـة.
-4 توسـيع هامـش الخيـارات الدوليـة: ال تنفصـل الزيـارة عـن األزمـات التـي اندلعت بين الدولتيـن من جهة وبعض
الـدول الغربيـة مـن جهـة أخـرى، ففـي الوقـت الـذي اتسـع فيـه نطـاق الخالفـات بيـن تركيـا واليونـان فـي بحـر إيجـه
وشـرق المتوسـط، باإلضافـة إلـى تصاعـد حـدة التوتـر مـع الواليـات المتحـدة األمريكيـة بسـبب معارضـة األولـى
االنخـراط فـي العقوبـات الغربيـة المفروضـة علـى روسـيا؛ فقـد وصلـت الخالفات بين الجزائر وفرنسـا إلى مسـتوى
،ً علـى نحـو
غيـر مسـبوق فـي اآلونـة األخيـرة، كمـا تصاعـدت حـدة التوتـر مـع الواليـات المتحـدة األمريكيـة أيضـا
ً مـن الكونجـرس األمريكـي رسـالة إلى وزيـر الخارجية
ً فـي نهايـة سـبتمبر 2022 عندمـا وجـه 27 عضـوا
بـدا جليـا
أنتونـي بلينكـن طالبـوا فيهـا بفـرض عقوبـات علـى الجزائـر بسـبب صفقـات األسـلحة التي تبرمهـا مع روسـيا. ومن
هنـا، تتجـه الدولتـان إلـى محاولـة توسـيع هامـش الخيـارات المتاحـة أمامهمـا إمـا عبـر تعزيـز العالقـات الثنائيـة، أو
مـن خـال رفـع مسـتوى التعـاون مـع قـوى دوليـة أخـرى مثـل روسـيا والصيـن.
أهداف محورية
تسـعى تركيـا والجزائـر إلـى تطويـر العالقـات الثنائيـة مـن أجـل تحقيـق أهـداف محوريـة ثالثـة: يتمثـل أولهـا، فـي
رغبـة الدولتيـن فـي تعزيـز التعـاون الثنائـي، خاصـة فـي مجـاالت الطاقـة وتكنولوجيـا التنقيـب عـن الغـاز، إذ تحتاج
تركيـا إلـى تأميـن قسـم مـن وارداتهـا مـن الغـاز خـال المرحلـة المقبلـة فـي ظـل اضطرابـات أسـواق الطاقـة بسـبب
الحـرب الروسـية-األوكرانية، حيـث تعتمـد تركيـا فـي تلبيـة مـا يقـرب مـن %80 مـن احتياجاتهـا مـن الغـاز علـى
روسـيا. أمـا الجزائـر، فتسـعى إلـى االسـتفادة مـن الخبـرة التركية في مجـال التنقيب عن مكامـن الطاقـة، وكان وزير
الطاقـة والمـوارد الطبيعيـة التركـي فاتـح دونمـاز قـد أعلـن، فـي منتصـف نوفمبـر ،2022 اعتـزام تركيـا والجزائـر
تأسـيس شـركة مشـتركة للتنقيـب عـن النفـط والغـاز الطبيعي.
كمـا تراهـن الجزائـر علـى االسـتفادة مـن االسـتثمارات التركيـة، والتـي باتـت تمثـل أولويـة مهمـة لـدى االقتصـاد
ُ الجزائـري. ويشـار إلـى أن اجتماعـات الـدورة الثانيـة للجنـة المشـتركة الجزائرية-التركيـة التـي عقدت فـي تركيا في
8 سـبتمبر الجـاري، تـم خاللهـا توقيـع سلسـلة مـن االتفاقيـات المشـتركة فـي مجـال إنتـاج األدويـة والمناجـم والنقـل
والصيـد البحـري والزراعـة والتنميـة الريفيـة والعدل والتعليم والنجـارة وترقية الصـادرات والمالية واألشـغال العامة
والمنشـآت القاعديـة والثقافـة والتعليـم العالي والبحـث العلمي.
ويرتبـط ثانيهـا، ببلـورة توافـق مشـترك بيـن الدولتيـن حيـال القضايـا المثـارة فـي اإلقليـم، وتتقاطـع مـع مصالحهما،
وفـي الصـدارة منهـا األزمـة الليبيـة، وتداعيـات االنقالبـات التـي بـدأت تتوالـى فـي منطقـة غـرب أفريقيـا، وال سـيما
ً أن الدولتيـن رفضتـا التدخل العسـكري الخارجي فـي النيجر والجابـون، ودعتا
فـي النيجـر والجابـون. وقـد كان الفتـا
إلـى تسـوية األزمتيـن عبـر الطرق السـلمية.
وينصـرف ثالثهـا، إلـى دعـم مواقـف الدولتيـن إزاء بعـض القضايـا، إذ تسـعى الجزائـر إلـى اسـتقطاب تأييـد تركيـا
com.arabwall.www 4
لسياسـتها فـي قضيـة الصحـراء، ال سـيما بعـد أن نجحـت المغـرب فـي دفـع دول عديـدة لتأييـد موقفهـا. فـي حيـن
تحـاول تركيـا إقنـاع الجزائـر بدعـم سياسـتها فـي كل مـن ليبيـا وسـوريا وشـرق المتوسـط.
تطور ملحوظ
فــي النهايــة، يمكــن القــول إن الزيــارة المحتملــة التــي ســيقوم بهــا الرئيــس التركــي رجــب طيــب أردوغــان إلــى
الجزائـر تكشـف عـن عمـق التطـور الحـادث فـي العالقـات المشـتركة بيـن البلديـن، كمـا أنهـا تأتـي ضمـن حـرص
تركيـا والجزائـر علـى بنـاء منظومـة جديـدة لتفاعالتهمـا الخارجيـة تعتمـد علـى تنويـع الحلفـاء، وتوثيـق الشـراكة
االسـتراتيجية مـع القـوى التـي تتوافـق معهمـا حـول بعـض القضايا، بهـدف تحييد الضغـوط الخارجية التـي يواجهها
كل منهمـا والتـي يفرضهـا اسـتمرار تصاعـد بعـض األزمـات، وفـي مقدمتهـا الحـرب الروسـية-األوكرانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى