أخبار العالمإقتصادفي الواجهة

الأزمة الحقيقية في أوروبا لم تبدأ بعد

محمد رضا عباس

هناك مثل عراقي شائع يقول ” الحمه (الحرارة) تأتي من الرجل (القدمين)” , بمعنى ان وجع الراس والمشاكل تأتي من الاقربين قبل المعروفين . مشكلة اليورو جاءت من اقرب المقربين لأروبا , الادارة الامريكية . ولمن لم يطلع على خبر اليورو الجديد , فان اليورو قد تناقصت قيمتها في الأسواق العالمية ووصلت في يوم الثلاثاء المصادف 12 تموز 2022 الى ما يساوي الدولار , وهي اقل قيمة لها منذ عشرين عاما. فقد تراجع سعر صرف اليورو بواقع 2.52 روبل الى 58.74 روبل فيما انخفض سعر صرف الدولار بواقع 43 كوبيكا ( 100 كوبيكا = روبل ) الى 58.84 روبل , وبذلك تساوت قيمة اليورو مع قيمة الدولار في أسواق المال . اليورو خسرت 12% من قيمتها منذ عام 2022. بدأت تخسر قيمتها منذ بداية هذا العام.
الاتحاد الأوربي اصبح يعاني عدد من المشاكل الاقتصادية بضمنها القلق من التراجع الاقتصادي , ارتفاع نسبة التضخم المالي , القلق من انقطاع الطاقة عن مصانعه وسكانه بسبب الحرب في أوكرانيا . الولايات المتحدة تعاني نفس المشاكل , تضخم بنسبة 8.4% , ارتفاع أسعار البنزين , ومؤشرات اقتصادية تدعو الى القلق بدخول الاقتصاد في مرحلة التراجع الاقتصادي. ولكن الشيء المختلف عن اروبا هو صعود قيمة الدولار بوجه العملات العالمية( عدا الروبل) , ويعود هذا السبب الى قرار البنك الاحتياطي الأمريكي (البنك المركزي) برفع أسعار الفائدة , وهي الطريقة المعتادة لمحاربة تصاعد التضخم المالي.
اذن , ما علاقة انخفاض قيمة اليورو بارتفاع نسبة الفائدة في الولايات المتحدة الامريكية ؟
الجواب سهلا جدا , رأسمال يتحرك بكل حرية بين الدول الصناعية . من يملك 5 مليون دولار , على سبيل المثال , يستطيع تحويلها الى أي دولة فيها نسبة فوائد عالية , وهو المعقول. استثمار خمسة ملايين دولار بسعر فائدة 8% تعطي أرباح اكثر من نسبة فائدة 5%. في مثل هذه الأحوال فان المستثمرين في اروبا سوف يختارون الدولة التي توفر اعلى الفوائد , فكان البلد هو الولايات المتحدة , لا في اروبا والتي مازالت الفائدة فيها قريبة من الصفر يقابلها نسبة عالية من التضخم المالي . باختصار شديد , الأوروبي اختار الدولار لأنه اصبح ” ملاذا امنا” ووسيلة موثوقة للحماية من التضخم .
تذكر , ان من يريد الاستثمار في الولايات المتحدة الامريكية لا يستطع استثمار أمواله الا بعد تحويلها الى الدولار , العملة الرسمية للولايات المتحدة الامريكية . وهكذا عندما يقوم عشرات الاف من المستثمرين الأوربيين بتحويل ما يملكونه من يورو الى دولار , فان الطلب العالمي على الدولار سوف يتصاعد ومعه تتصاعد قيمة الدولار في السوق العالمية .
البنك المركزي الاوروبي كان له نفس الخطة وهو زيادة سعر الفائدة من اجل محاربة التضخم والذي مازال بنسبة 8.6% , ولكن البنك انتظر طويلا من اجل التحرك , حيث اعلن انه سيرفع نسبة الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2011 , وهو سبب تخوف الاقتصاديون من ان تحرك البنك جاء بطئ جدا لمنع التراجع الاقتصادي , ولهذا السبب يعتقدون ان اليورو سوف تستمر بالتراجع في قادم الأيام .
هناك عامل اخر قد لا تساعد على وقف تدهور اليورو حتى بعد رفع نسبة الفائدة في اروبا او الاتحاد الاوروبي , وهو ان استمرار المقاطعة للطاقة الروسية سوف يؤدي الى استمرار ارتفاع أسعارها , مما يعني إضافة نفقات متزايدة على الميزانية الأوروبية , زيادة العجز المالي, ومع زيادة الاقتراض تتراجع قيمة اليورو اكثر. شتاء أوروبا القادم سيكون قارسا جدا على المواطن الأوربي مرتين , برودة الشتاء و برودة التراجع الاقتصادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى