إسلامثقافة

اقرءوا القرآن بفهم وبغير فهم

ا.د حلمي الفقي
القرآن الكريم كلام رب العالمين ، نزل به أمين الوحي جبريل عليه السلام ، علي محمد صلى الله عليه وسلم ، لينشر الأمن الأمل والسكينة في قلوب المؤمنين ، ويبدد ظلام الكون ، ويأخذ بيد الإنسانية الحيرى إلي صراط الله المستقيم ، ويرتفع بالبشرية المتعبة من وهاد التيه والظلام ، إلي نجاد الوضوح والحرية .
ويوم نزل جبريل عليه السلام بالقرآن الكريم من السماوات العلى علي قلب أستاذ الإنسانية الأول محمد صلى الله عليه وسلم ، كانت البشرية علي موعد مع التكريم الإلهي الرائق الفائق ليرتقي بالإنسانية إلي قمة المجد والعز والفخار ، وإنه لأروع تكريم ، وأحسن ارتقاء حين يكلم رب الوجود تبارك وتعالى ، الإنسان الضعيف القليل ، ويبث فيه روح التفاؤل ، ويسكب في قلبه الطمأنينة ، وفي شعوره ووجدانه السكينة والثبات ، لينهض من رقدته ، وينبعث من نومه ، مجاهدا لنفسه داعيا لغيره ، متحديا الإنسانية كلها ليصلحها ويهذبها ، ويأخذ بيدها إلي صراط الله المستقيم .
والمؤمن التقي النقي يقرأ القرآن ليفهمه ويتدبره ليصل إلي الغاية الكبري من إنزال ربنا تبارك وتعالى لكتابه علي قلب نبيه ، وهي العمل بالقرآن وتحويله واقعا في حياة البشر ينظم سائر مجالات الحياة في كل زمان ومكان ، فهذه ثلاث مراحل متتابعة تسلم كل واحدة منها للتي تليها ، فلا بد من الأولي قبل الثانية ، ولا بد من الثانية ليص المرء إلي الثالثة .
وتلاوة القرآن الأصل فيها أن تكون بفهم وتدبر ، لكن إذا لم يفهم المؤمن ويتدبر فهل يكف عن القراءة ؟
لا ، كلا ، وألف كلا ، فقراءة القران الحرف فيها بعشر حسنات والحسنة تضاعف إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة إلي ما شاء الله ، فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول ” اقرءوا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول: ألم حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف ” فهذ الثواب الكبير الذي عد الله به التالين لكتابه على أصل التلاوة ، سواء كانت بفهم وتدبر أم لا ، فبمجرد التلاوة يحصل الإنسان علي الثواب ،قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم، قلتُ: فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي -رضي الله عنه- لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلو كلام الله -عز وجل- ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر.
نحن لا ندعو إلى القراءة بغير فهم ولا تدبر ، ولكن نقول إن القراءة بغير فهم هي سلم الوصول إلي القراءة بفهم ، والقراءة بفهم هى درجة مهمة للوصول إلي العمل بالقرآن وتحويله إلى واقع ينظم حياة البشر في كل زمان ومكان .
وهي مراحل تسلم كل منها للتي تليها يقول ابن عطاء الله السكندري : ” لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ” ( إبراهيم : 20 )
ويقول ثابت البناني : ” كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة ” ، وروي عن بعض السلف أنه كان يقول : “قرأت القرآن عشر سنين في مكابدة وعناء ، ثم قرأته عشر سنوات وكأني أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأته عشر سنوات وكأنه يتنزل عليّ من الملأ الأعلى ” .
هذا هو السبيل : قراءة مع مكابدة وعناء للوصول إلي قراءة بفهم وارتقاء ، وانظر إلى ثابت البناني كيف كابد القرآن عشرين سنة قبل أن يتنعم به عشرين سنة ، ترى لو أن ثابت بعد مكابدة القران عشر سنوات أو خمس عشرة أو تسع عشرة سنة قال هذه قراءة لا فهم فيها ولا تدبر معها ،والصواب عدم القراءة ولا بد أن أكف عن هذه القراءة التي لا روح فيها ، هل كان سيصل إل التنعم والتلذذ بالقران عشرين سنة ؟
أخي الحبيب لا تيأس من روح الله أبدا فاليأس قرين الكفر قال تبارك وتعالي : { إنه لا يياس من روح الله إلا القوم الكافرون }
لا تقنط من إخفاقك في العبادة مهما كان الأمر ، وحاول بكل ما تملك ما بقي فيك عرق ينبض ، ولا تكل ولا تمل ما بقي فيك ينفس يتردد ، واستعن بالله ولا تعجز ، وتبرأ من حولك وقوتك واعتصم بحول الله وقوته ، { ربنا هب لنا من أذرواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما } ( الشعراء : 74 ).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى