إقتصادفي الواجهة

اقتصاد المضاربة .. حروب الأوليغارشيات

نظام التفاهة: التجارة والمال - الحلقة الرابعة

 
سعيد مضيه
البرامج المصممة لتثقيف الناس حول الاقتصاد هي ، بدورها أيضا، تقصد الى منعنا من إدراك ان هذا النظام هو في حالة تامة من الفوضى ..”[ 180] ملحوظة:
يخوض الدكتور دونو بحذر في موضوعة الاقتصاد الرأسمالي. هو يكشف عيوبه ومظاهر قصوره ومخاطر أنشطته ، خاصة في المضاربات، من شانها أن تدخل الاقتصاد في فوضى منهكة وضعت النظام برمته على كف عفريت. رغم هذا يتجاسر “خبراء” واكاديميون فيشيدون بالنظام ؛ هنا تقبع التفاهة. اقتصاد الرسمال يفرض حالة تبعية على اقتصادات البلدان التابعة، قارب المؤلف اقتصادات بلدان غرب إفريقيا التابعة للنفوذ الفرنسي. وهذا سيكون موضوع الحلقة لخامسة .
الأقطار العربية لا تختلف عن بقية البلدان التابعة من حيث القصور عن بلوغ الراسمالية الناضجة والطبقة العاملة الناضجة . انه اقتصاد ما قبل الرأسمالية نتيجة تبعية الأنظمة الأبوية العربية للامبريالية . في الأقطار العربية نمت برجوازية صغيرة بعد الحرب العالمية الثانية، توجهت نحو الإسلام السياسي الذي حافظ على التبعية للامبريالية وعزز نفوذ النظام الأبوي ، وبذا تركت البرجوازية الصغيرة تجربة بائسة. أزمة العالم العربي مزدوجة هي ازمة التخلف وازمة القوى الثورية.
& & &
يعرض دونو عددا من حالات الفوضى في الأنشطة الاقتصادية وعمل أسواق المال ومضاربات البورصة، ليخرج بعده بخلاصة تقول: ” يطلب منا أن نصدق بان هناك علما للاقتصاد يوضع موضع التطبيق في قرارات الأشخاص الذين يعتمد عليهم من ذوي السلطة ، وأن الديمقراطية تعني جعل المواطنين شركاء قادرين على إتقان مصطلحات هذا ‘العلم’ ومبادئه الأساسية، لكنهم عاجزون عن التصرف بموجبه بأي شكل من الأشكال، فلا يستطيعون إلآ البقاء رهن محبسه” [181].
يستهل الفصل الثاني – التجارة والتمويل- بأحد وسائل الإقناع والتأثير: معرض في مدينة العلوم الصناعية يدعو الزوار، من خلال مكبر للصوت، لشراء الأسهم أو بيعها مقرونة بمعلومات أذيعت تساعد على التصرف ‘بحصافة’؛ فأعطى المعرض الانطباع بأنه يقبع خلف التفسيرات المبهمة للخبراء هناك أسباب الأزمات الدورية: المنتجات المالية الفاسدة ، تقلبات الاقتصاد ، والمضاربات المجنونة على بورصة محمومة”[171]..كان الابتذال يصور وكأنه اخت للإيديولوجيا ، أو كانه إيديولوجيا مضادة ، وهو امر غير مفيد في الحقيقة[172] بالمقابل ، صدر العام 2013للصحافييْن السويسريين، فريدريك لوليفر و وفرانسوا بيليه، وكذلك فيلم تسجيلي بعنونا “ذئاب وول ستريت الجديدة ” من إخراج إيفان ماكو، تشير كلها الى ” ان السوق يعمل الآن من دون تدخل من العقل البشري؛ إنه يحرك من قبل خوارزميات (حزمة من الخطوات الرياضية المتتابعة، تنسب الى العالم الإسلامي في العصر الوسيط،الخوارزمي، تتعلق بسلسلة من العمليات ذات هدف محددد، وهي ما يتم إدخاله الى نظم الحاسب الحالي اليوم للقيام بالمهام المطلوبة منه، مثل ترتيب الجداول الزمنية أو إصدار التقارير الدورية –المترجمة) تقوم بعملها من خلال نانو ثواني، بهدف السيطرة على ملكية الأسهم، ثم بيعها بسعر أعلى لأي من كان يرغب بها ابتداءً. طوال اليوم يقوم بائعو جملة البورصة الإليكترونيون هؤلاء بقذف أنفسهم بسرعة الضوء وسط كميات مهولة من الأوراق المالية . لذا فإن النشاط المتولد عن تحركاتهم هذه يعرض النظام باكمله للخطر. عام 2010 لاحظ توماس بيتر ،أحد مخترعي هذه الآلات ، انها قد تطورت بطريقة أسرع من قدرتنا على فهمها او السيطرة عليها”[174] بات هذا الوحش الآلي يتسبب في خسارة بالبلايين لزبائن البورصة بطريقة يجهلونها كليا.. بدون إيعاز يشتري بأعلى الأسعار ويبيع بأدنى الأسعار ، خلال 45 دقيقة يضيع بلايين الدولارات . ” تلعب هذه الآلات بمدخرات الأفراد ذوي الدخول المحدودة ، أو الديون الوطنية للدول ، وقيم العملات”[174] . كاتب بالاسم المستعار إيرفين كارب ، نشر مقالين أثبت فيهما ان ‘السوق ’ قد فقد عقله حرفيا.”[173] وختم كارب بالقول ، “إن الأسواق ليست الآن سوى مسرح واسع للعمليات التي لا يسع المحاسبين البشريين فهم اي شيء فيها”[174]. في الأول من أكتوبر 2012 قامت خوارزميات مجهولة بالسيطرة على البنية الإليكترونية التحتية لبورصة نيويورك وذلك من خلال إغراقها بعروض خالية من الأرباح ، كان الهدف منها التقليل من التدفقات المنافسة كجزء من استراتيجية ما زالت غير مفهومة حتى اليوم ” [175]. وفي 23 مارس 2012 بعد الساعة الحادية عشرة صباح بأربع عشرة دقيقة و18 ثانية و436 ملي ثانية، كانت شركة باكس غلوبال ماركيتس ، التي تمارس نشاط التداول المكثف ، قد دخلت لتوها بدعاية صاخبة بسعر اولي للسهم بقيمة 15,28 دولارا. وخلال 900 مللي ثانية انخفض السعر الى 28,. دولارا فقط. كانت ضربة قاصمة للشركة حدت بها خلال بضعة أيام ، لقبول الاستحواذ عليها من قبل شركة منافسة”[176].أحيانا تتربص خوارزميات عدوة في كمين يخفض أسعار أسهم . حدا هذا كارب الى أن يكتب: “يبدو أن هذا الصراع الجديد قد جعل من الأسواق ساحة قتال الآن ، وان من يمتلك الخوارزميات الأسرع والأقوى هو من يخرج منها منتصرا” [176]. يستنتج المؤلف ” صار سوق الأوراق المالية اليوم منطقة حرب حقيقية تتحدد فيها الأسعار من خلال أصول المشاركين وأدواتهم.”[179] يخلص ألان دونو الى القول ” إن الخبراء الذين ما زالوا يجدون معنى لصفحات التجارة والأعمال هم أشخاص مسرنمون( يمشون وهم نيام ويقومون بأعمال لا يؤديها إلا من هو في حالة يقظة- المترجمة) اطلق المتداولون أسماء عدائية على خوارزمياتهم: آرد-قاحل ، بلاست – انفجار، جوريلا -عصابات مقاومة، آيسبيرغ- جبل الجليد، نايت هوك –صقر الليل ، شارك – سمك القرش، سنيف –المتملص، سومو – المصارع الضخم ، وهي أسماء تشهد على طبيعة العالم.[177] يترتب على هذا المستوى من الاضطراب وقوع انهيارات مفاجئة لأسواق المال بطريقة تجعل المواطنين مبهوتين الى درجة لا يعودون يعرفون معها ما إذا كانت عقولهم تستطيع أن تعمل بسرعة كافية لكشفها … تنخفض أسعار الأسهم الى درك لا يمكن فهمه، ثم تعود خلال مايكرو ثانية وتشتعل الأسواق، ينخفض ثم يحلق عاليا ، ثم يعود ليسقط سقوطا حرا … يبدو الأمر أقرب الى الحلم… صعد سهم (سوثبيز) من 34دولارا الى 10000 دولار، بينما انخفض سعر سهم أكسينتشر كونسالتينغ من 40 دولارا الى سنت واحد. [178]. بهذا الشأن فإن نيكون القروي ، عالمة الرياضيات المبرزة والمتخصصة بالرياضيات المالية ، تصف نظاما يعمل في عزلة ، ويتعلق بحفنة من المتداولين الذين ‘لايعرفون الى أين هم ذاهبون’”[179].
• حكايات خيالية للأطفال فحواها عندما يصبح الثري أكثر ثراءً فإن الثراء يتقاطر لامحالة من هذا الثري الى المجتمع ككل . تم تحدي الخرافة ، لكن رغم ذلك فإن الخبراء والأكاديميين ما زالوا يدعمونها بصوت عال ، محيلينها الى مسألة عقيدة … لا يوجد مجال تتسيد فيه التفاهة بثقة مثلما تسود في ذاك المجال الذي نسميه ‘الاقتصاد’.”[187] يصعب فهم أدنى مستويات التحليل المتعلق بالعمل التجاري؛ ولدى مقاربة مع مبالغ مؤشر مثل الناتج المحلي ، الذي تقترن به قضية خلق الوظائف تتمنع جميع طرق التفكير؛ يصلح حينئذ تعبير “إنه المال ، أيها الغبي” ، الذي استعمل لهيكلة الخطاب الخاص بحملة بيل كلينتون الانتخابية. اما الحقيقة الكامنة خلف العبارة فهي أن الاقتصاد وافتراضاته تمنع عقولنا من الاشتباك مع المسائل التي تتملص منا . انه ‘ الاقتصاد الغبي’ في حقيقة الأمر “[182].
تقرير صدر عن اوكسفام في 17 يناير/كانون ثاني، الماضي تحت عنوان “أغنى عشرة أثرياء في العالم ضاعفوا ثرواتهم في عهد وباء كوفيد بينما انخفضت مداخيل 99 بالمائة من البشر” ، جاء في التقرير ان عدم التكافؤ اسهم في موت 21ألف شخص على الأقل كل يوم ، او بمعدل شخص واحد كل أربع ثواني. في ذات الوقت ضاعف أغنى عشرة رجال في العالم ثرواتهم، خلال اول عامين من الوباء، من 799 بليون الى 5’1 تريليون دولار –بوتيرة 15 الف دولار كل ثانية و 3’1 بليون دولار كل يوم . وخلال الفترة نفسها انخفض الدخل لدى 99 بالمائة من سكان العالم واوقع بالفقر ما يزيد على 160 مليونا من البشر . اوضحت اوكسفام أيضا ان عدم المساواة يقتل ويسبب العنف بين الأغلبية الساحقة من البشر. “أشاع العنف الاقتصادي بصورة خاصة عبر خطوط العرق والجندر وبين المهمشين”.
قبل بزوغ دعوة الخصخصة كان الثري يملك مليون دولار ومن يملك لضعة ملايين يعتبر بالغ الثراء. وعلى إثر تصفية القطاع العام وفرض سيطرة السوق بناء على دعوات الليبرالية الجديدة برز البليونيرية وغدث الثروات وأسعار الأصول تحسب بالملياردات والتريليونات.
اقتصاد يقوم على إنفاق مفرط من قبل الشركات عابرة الجنسية، جنبا لجنب التقتير على الجمهور العريض؛ فقد اوصت شركة فيستا جيث لتأجير الطيارات بإنتاج 56 طائرة نفاثة من طراز غلوبال ذات المحرك المزدوج بقيمة تقدر ب 1و3مليار دولارمع خيارات بإنتاج 86 طائرة إضافية من نفس العائلة بقيمة 8,7 مليار دولار. الشركة متخصصة في تأجير الطائرات لأصحاب البلايين. يحدث هذا بينما تشن الحكومة حملة لإلزام المواطنين بقبول برامجها التقشفية وضبط النفقات موبخة لهم في خطبة تلو اخرى على عاداتهم الإسرافية.”[182] . العقد المبرم من قبل فيستا جيث يذكّر بقيام الحكومات بدفع مئات بلايين الدولارات من المال العام لإنقاذ بنوك وشركات عابرة للجنسية من الإفلاس بحجة ان إفلاسها يفضي الى انهيار عام. حدث هذا عام 2009 ، في أول إجراءات إدارة الرئيس باراك أوباما حيث عوض البنوك التي تسببت في انهيار البورصة عام 2008، بمبالغ قدرت بسبعمائة مليار دولار ؛ قامت إدارات البنوك أو الشركات باقتطاع بلايين الدولارات مكافئات لها حتى حين يحققون عجزا ماليا . صرح خبير في بنك كندا الملكي لصحيفة مونتريال اليومية ، التي نشرت خبر عقد الطائرات ، بأن ‘البليونيرات وكبار المدراء التنفيذيين’ لم يتأثروا بالأزمة الاقتصادية … فالنظام عمل لمصلحتهم بشكل بنيوي “[183-84].
طائرات شركة فيستا جيت يستعملها ألميليارديرية، حيث يشيع الفساد السياسي، ونهب الأصول العامة ، الاستغلال البشع للثروات العامة وغيرها من عمليات مقاربة للجريمة المنظمة. يعلن الاقتصاديون ان المليارديرية يمطرون الأموال على المجتمع ، وما زلنا ننظر الى الأغنياء باعتيارهم هم من يخلقون الثروة التي نأمل ان نحظى بجزء صغير منها لأنفسنا ، عوضا عن هؤلاء الذين يعملون بها بشكل يضر بنا”[187]. فإنتاج طائرا ت الرفاهية هو إساءة استخدام للذكاء من اجل تحقيق أغراض تافهة ، تصميم كبينة تملآ بكل عناصر التميز الاجتماعي بشكل لا يعرّض حياة الركاب للخطر – غرف اللعب ، أحواض السباحة، أحواض الاستحمام ، غرف الطعام ، تعتبر “انحرافات بنيوية لنظامنا الأوليجارشي قد جعلت من هذه الطائرات ضرورة لهؤلاء الذين يأملون في حكم العالم من خلال مجالس ومؤسسات قوية.”[188] أعطي ديفيد روثكوف ، الراصد الفخور لأوليجارشية العالم ، تفسيرا سوسيولوجيا في كتابه ” الطبقة المتفوقة “، فيقول “إن طبقة فائقي الثراء تؤمن فعلا انها قامت بإخضاع المكان والزمان لمشيئتها .. ليس هناك إفراط في استخدام الطائرات الخاصة..فسياق المطارات الاعتيادي ، الذي ينطوي على تأخير وتوتر ومخاطر أمنية ، يجب أن يكون مكلفا لمن يعيشون باعتبارهم أصحاب قرار سيادي بصدد شئون الكوكب. ينبغي ان يملك الأوليجارشيون الوقت، وان يكون العالم رهن تصرفهم حتى يستطيعوا أن يحكموا أينما ذهبوا، من منظورهم ، فإن الطائرة الخاصة كاداة عمل هي محض استثمار لإدارة المخاطر ” [188] تزداد الحاجة الى الخبراء كلما غرقت طبقة الأثرياء في الفساد والتدليس والتفاهة. تكشفت فضيحة احتيال طالت عضو إدارة مستشفى في كيبيك، أرثر بورتر؛ في الحال هب كل من مسعود عابدة ، أستاذ الإدارة بجامعة شيربروك وميشيل نادو تاجر الحوكمة للتغطية على الجريمة، مشيديْن ب “منجزات بورتر صديقا مقربا لأوليغارشيات كندا ودوائرها . قدم الخبيران المشورات لأوساط الحكم وعمل ميشيل نادو مستشارا سابقا للرئيس بوش الابن. قدم الخبيران ” اوراق اعتماد لا تقبل المساءلة”[198] .
لكن الخبيرين “افتقرا الى الحدس السيكولوجي العميق، فلم يكن هناك اي نقاش حول استغلال النفوذ او الاستقطاب السياسي او الخدمات المتبادلة بين الاستراتيجيين المراوغين المنتمين لعدة شبكات اتصال. كما ان احدا لم يثر تساؤلا حول الكيفية التي كانت الجنان الضريبية تستخدم لتغطية التدليس بشكل ممنهج … تبين ان علم الحوكمة لا يعدو –في حقيقته – ان يكون فنا لتخمين الأخطاء والإدراك المتأخر “[198-99] . في الدوائر العليا تبذل الجهود عادة لإخفاء أفعال النظام الأكثر إثارة للصدمة، وذلك من أجل قطع الطريق على أية تحديات قد تظهر لاحقا. رجال السياسة الميركيون من الحزبين الرئيسين يمعنون في إخفاء مسئولية نظام الربح عن التضخم في أميركا ، ويبالغون في التستر على خطايا النظام في موضوع كوفيد 19، وكذلك في التسبب باختلالات المناخ. لا يذكر دور نقل المصانع الى حيث الأيدي العاملة الرخيصة في التسبب بالبطالة،او في تعاظم قوة الصين الاقتصادية.
عندما قرر قطب الصحافة والمستثمر الكبير بيير كارل بيلادو دخول المجال السياسي ، وكان من الجراة بحيث أنه اوشك أنيصبح زعيما للمعارضة في كيبيك ، اسرع ميشيل نادو الى تصميم نظام يمكّن بيلادو من أن يستثمر باستخدام قواه المفرطة بطريقة تبدو مشروعا ظاهريا…كما لو أن ملكية الشركات هي طريقة معتادة لكسب العيش مثلها مثل أية طريقة أخرى لكسب العيش .” [199] نقل المؤلف عن أندريا دوركن ، الكاتبة النسوية، تعليقها على هذا التحايل لتسويغ تركيز الأصول والسلطة في يد فرد فكتبت :”في حين أن الثرثرة بين النساء هي امر محل سخرية حول العالم باعتباره دنيئا وسخيفا …فإن الثرثرة بين الرجال تسمى نظرية أو فكرة او واقعة …”[201] فرض المال نفسه على الثقافة الحديثة كطريقة لحساب متوسط القيمة بعدما أصبح العلامة المفضلة للتوسط بين السلع. وحدة القياس هذه لمتوسط القيم فرضت نفسها خلال التاريخ كناقل للتفاهة” [201]. جورج سيمل مؤلف كتاب”أزمة الثقافة”، اهتم “بالدور الاجتماعي والثقافي للنقود في الزمن الحاضر – أي بقدرتها على التصرف مثل كمبيوتر ما قبل الكمبيوتر.” [201]. قاد ذلك فورا الانحرافات التي تعززها النقود. وحسب سيميل، ” لقد أصبحت النقود غاية الغايات لغالبية الناس في حضارتنا ، إذ ان حيازة النقود هي ما يمثل الهدف الأعلى لجميع الأنشطة الهادفة التي تقوم بها هذه الغالبية… ففي عقل الرجل الحديث ما عادت فكرة الاحتياج تعني احتياج السلع المادية ، ولكن فقط احتياج النقود اللازمة لشراء هذه السلع”[202]. “قيمة النقود في ثقافة الرأسمال تكون مسألة أصول مالية وأغراض رفاهية للأغنياء ، فيما هي للفقراء والمستهلكين الاعتياديين محض مساومات ومقارنات بين الجودة، والسعر هو أمر قد ادى الى تطور باثولوجيات (أمراض) خاصة[209].
بخلاف ماركس ركز سيميل على النتائج السيكولوجية للمال، كوثن رمزي، وعلى الثقافة. وفي الفصل الثالث من كتابه “فلسفة النقود” يعرض سيمل بورتريهات (أشبه برسوم المجرم الفار بناء على الأوصاف) للشخصيات النمطية- البخيل ، الطماع ، المسرف ، الجشع، المولع للذة والساخر، علاوة على طبقة الأثرياء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى