تعاليقرأي

افضل و أسوأ الرؤساء

أسوأ الرؤساء وأفضلهم

محمد علي مقلد

كنت أتهيأ لكتابة مقالة رابعة عن كيفية الخروج من الدوامة إلا أن برنامجاً تلفزيونياً موضوعه تقويم عهد الرئيس فؤاد شهاب استوقفني، إذ رأيت فيه مساهمة غنية في نقاش مقالتي الثالثة عن نقد الماضي كشرط لبناء المستقبل.
النائب كميل شمعون رأى، عندما استصرحه البرنامج الحواري هذا، أن شهاب هو أسوأ رئيس للجمهورية اللبنانية. وحتى لا يبقيه منفرداً في صدارة السوء وضع إلى جانبه ميشال عون وساوى بينهما. ورأى طبعاً أن عهد جده هو الأفضل.
لا شك أن هذا الحكم وسواه من الأحكام المختلفة المتعارضة أو المتطابقة يستند كل منها إلى معيار يقيس به صاحب المذاق مر الطعم من حلوه. وفي ظني أن المعيار الذي استخدمه النائب شمعون هو معيار تنموي، ولا يختلف اثنان على أن عهد جده كان متميزاً على هذا الصعيد.
ما من أعمى لا يرى إنجازات الرئيس شمعون. منذ عام تماماً حاولنا، في مقالة في نداء الوطن أن نعددها وهي عديدة جداً، من بينها “بناء القصر الجمهوري في بعبدا، مدينة كميل شمعون الرياضية، مرفأ طرابلس، مصرف لبنان، مطار بيروت الدولي، قصر العدل ونقابة المحامين، الاذاعة اللبنانية، تلفزيون لبنان والمشرق، مهرجانات بعلبك، كازينو لبنان، مغارة جعيتا، وربما كان من أهمها حق المرأة في الاقتراع وقانون السرية المصرفية، وغيرها كثير.” وفي ورشة إعادة البناء التي بدأها رفيق الحريري واجهنا في مقالة صحافية من اعترض على إعادة تسمية المدينة الرياضية باسم من بناها.
ربما غاب عن بال الحفيد أن البرنامج التلفزيوني كان يحاول عبر السؤال أن يستخلص من نقد الماضي معياراً سليماً لاختيار رئيس جديد للجمهورية وإنهاء مرحلة الشغور الحالية، وربما كان على طارح السؤال أن يوضح السياق ومبتغى البرنامج. مع ذلك فلا عذر للحفيد إن اعتمد معياراً مغلوطاً أو غير مناسب للمناسبة، لأنه نائب عن الأمة معني أكثر من سواه باختيار الرئيس المقبل ولأنه مسؤول في إحدى الجبهات “السيادية”.
بعد هذه الأزمة الخانقة وبعد هذا العهد المشؤوم، ما من عاقل أو جاهل يخفى عليه سبب قهر اللبنانيين بالتجويع والإفقار والموت على أبواب المستشفيات. فالأمر لا يتعلق قطعاً بقضايا التنمية ومشتقاتها ولا بمغارة جعيتا أو مهرجانات بعلبك ولا حتى بقانون السرية المصرفية الذي شكل أحد أسباب الازدهار في عهد الرئيس شمعون ولا برفع الإسم على صرح المدينة الرياضية.
تعبيد الطريق إلى جهنم بدأ مع أول القرارات”الزفت” بالاعتداء على سيادة الدولة، إلى أن جاء العهد العوني ليتولى إدارة المرحلة الأخيرة من التدمير المنهجي للدولة بانتهاك الدستور جهاراً نهاراً. المعيار الصحيح إذن في تشخيص الأزمة وفي وصف العلاج هو الموقف من الدولة والدستور، والمرجع الأوحد في تاريخ الجمهورية اللبنانية للتعرف على هذا المعيار هو ما كان الرئيس فؤاد شهاب يسميه “الكتاب”. هذا ما يجمع عليه العقلاء ولا ينكره جاهل.
يقول قائل إن أول اعتداء على سيادة الدولة يتمثل باتفاق القاهرة، ويقول آخرون ونحن منهم، إن الاستدراج الأول يتمثل بالإنزال الأميركي على شواطئ الأوزاعي، الذي شكل فاتحة لاستسهال تدخل القوى الأجنبية، القريبة والغريبة والبعيدة والصديقة والعدوة، التقدمية واليسارية واليمينية والرجعية، والاستقواء بها على أبناء الوطن.
قديماً قيل، على من بيته من زجاج أن يحاذر الرشق بالحجارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى