اصول القبائل و العروش في وهران الجزائرية بالتفصيل
المتنقل اليوم بين الأحياء الوهرانية (طفراوي ، بيرالجير ،مسرغين ،حاسى بونيف، بطيوى ,,,) والمُحاور لكهولها وشيوخهم عن نسبهم يجد أسماء حفرت في الذاكرة الجماعية لقاطنيها فاصبحوا يرددونها بالتداول لأسماء ذويهم وعشائرهم القديمة (رغم ان وهران هي المدينة جزائرية الاولى في التمدن ، يعني لم يعد مفهوم العرش وقبيلة يلعب دورا مهما عكس المناطق الداخلية للجزائر ) إلا أن الكثير من تلك مصطلحات التي تدل على العمق التاريخي واصالة ونسب سكان وهران مازالت متداولة لحد اليوم ، من أمثال تلك الكلمات عريقة :
“”” أنا دوايري(نسبة للقبيلة) ، انا زمالي (زمولي)، أنا من غرابة ، أنا شرقي (بالقاف مضخمة نسبة للقبيلة)، انا وليد الدوار … “”” وغيرها من مصطلحات التي مازالت مستعملة ومحفورة في ذاكرة كبار السن وحتى في جيل اربعينات (المصدر : 1 )
فمثلا : مدينة السانيا التي تعتبر من أكبر بلديات ولاية وهران ، نجد الكثير من اهلها يستعملون مصطلحات : “” أناَ سَنْيَاوِي(نسبة لمنطقة السينيا )،أَنَا زمَالي أو زَمولي(نسبة للقبيلة ) أَنَا وَلْدْ البْلَادْ ، حْنَا وْلاَدْ الدَوَّارْأنا انا مأصل هنا (يعني نحن سكان حقيقيون لمنطقة السانيا ) “””
وتعود هذه تعبيرات لجذور قديمة جدا ، فالمعروف أن منطقة سانيا كانت تحت نفوذ وفي اقليم لقبيلة “” زمالة “”” بينما المنطقة المُطلة والقريبة من البحر كانت اقليم لقبيلة “دواير “” ومنطقة جنوبية والغربية لولاية وهران حتى الحدود حالية لولاية تلمسان (يعني مرورا على كامل تراب ولاية عين تمونشنت حتى الوصول للحدود الحالية لولاية تلمسان والتي تعتبر بداية اقليم ولهاصة ) هي منطقة نفوذ قبائل “” عامر شراقة “” (وتعتبر هته القبيلة أكبر عددا في عهد استعماري لمنطقة وهران مقارنة ببقية القبائل حسب احصاء السكاني لسنة 1856 )، ومناطق شرق هي مناطق الحلف القبلي “” عرب غرابة “” ,,,الخ وكل من هذه القبائل تتقسم بمرور الزمن بفعل تضخمها الى تجمعات قبلية مصغرة كالعروش او احلاف جديدة
نفس الشئ نجده في منطقة “” المدينة الجديدة “” التي تعتبر الشريان اقتصادي لوهران والتي تأسست في سنة 1845 من خلال تجمع للقبائل عربية : “دواير وغرابة وزمالة ” فنجد أنه قد أتى على لسان رونيه لسبيس (René Lespès في كتابه ما يلي : “””كان عدد المسلمين ( كذا ) الذين توافدوا من القبائل المجاورة – الدواير و الزمالة و الغرابة – و الذين استقروا خارج و بمحاذاة الجدران القديمة، مرتفِعا للغاية في السنة 1845 فأصدر الجنرال دو لامورسيار ( De Lamoricière) قرارا في التاريخ 20 يناير 1845 بإقامة قرية أهلية خارج الجدران، يعني بعيدا عن هضبة كارجينطة (Karguentah) التي كثرت فيها الخيام و الأكواخ التي أقامها الأهالي وشوهتها؛ فأنشئت هذه القرية وأطلق عليها اسم village nègre القرية الزنجية “”” و كان هذا المؤرخ الفرنسي أول من اندهش لهذه التسمية عنصرية التي لم يجد لها مبررا لأن المنطقة كانت مأهولة من وفود القبائل العربية بيض البشرة ورغم ذلك تم تسميتها باسم عنصري حيث اكد أنه لم يجد الا بعض العائلات سود البشرة ،اما أغلبية الأهالي موجودين في تلك منطقة فكانوا كما ذكره تعود للقبائل عربية ثلاث التي استقرت هناك ليتم بعد استقلال تغيير اسمها الى “” المدينة الجديدة “”
وهذا بالتحديد ما وجدناه في الأرشيف الفرنسى لقبائل العربية وهرانية ، حيف ذكر المؤرخون فرنسيون ابان احتلال فرنسى أن منطقة وهران كانت مقسمة بين أربع قبائل عربية كبرى ، كما توضحه الصورة مأخوذة من الأرشيف الفرنسى :
(الصورة من الارشيف فرنسى مرفقة مع الموضوع )
وبذلك تكون أهم القبائل الوهرانية عربية التي يعود اليها اصل السكان اليوم في العهد استعماري حسب أرشيف الفرنسى (لسنة 1856):
1 – قبيلة زمالة ( المعروفين ب “” اولاد التل نسبة للتل-هضاب- الوهراني مُمتد ما بين وهران ومعسكر “” ويعود أصل التسمية الحديثة للعهد التركي فهته القبيلة تحالفت مع سلطات عثمانية )
2- قبيلة عامر شراقة (ينتمون للقبيلة الام ‘”” بني عامر “” وبعد تضخمها انقسمت الى قبيلتين عامر شراقة وعامر غرابة ، وتعبتر حسب احصائيات فرنسية القبيلة أكبر عددا في منطقة وهران )
3 قبيلة دوار (الدواير)وتسميتهم الحقيقية هي قبائل بني عُبيد العربية
4 وقبيلة الغرابة ( وهو حلف عسكري تشكل من عدة بطون زُغبية عُرف ب: عرب الغرابة )
والمعروف عن كل من قبيلة : عامر شراقة (بني عامر ساحل وهراني )و قبيلة دواير و زمالة بأنهم كانوا من ظمن القبائل المجاهدة التي حاربت بجنب الامير عبد القادر ولكل قبيلة مع الأمير عدة مرويات في كتب التاريخ نذكر منها أن حلف الزمالة العربي وهراني(المتكون من قبيلة الدواير وزمالة) وقع بينها وبين الامير عبد القادر سوء تفاهم كان سيؤدي الى معركة في سنة 1839 بواد الزيتون (قرب تلمسان ) بعد أن تخلفت هتين القبيلتين عن دعمه لبعض الوقت لكن الامير عبد القادر صفح عن القبيلة مقابل السمع والطاعة ومبايعة على الجهاد (المصدر : 3 )
من الأسماء المشهورة أيضا في تاريخ القبائل الوهرانية : هي قبيلة الدوار العربية أو المعروفة بقبيلة “” الدواير”” المتحالفة مع قبيلة زمالة والتي كانت رئاسة الحلف في شيخها مصطفى بن اسماعيل بينما كانت رئاسة قبيلة زمالة في شيخها “” بن عودة مزاري “”
المعلوم أنه لحد الان مازال قبري شيخي هتين قبيلتين وهرانيتن كبيرتين ( مصطفي ابن اسماعيل و بن عودة مزاري ) موجودين في مدينة وهران بمقبرة الاغوات ،
ويرجع سبب زوال العروشية والقبلية في مجتمع الوهراني الى القرار الفرنسى : المرسوم 1863 الذي أصدره الاستعمار الفرنسي بغية تحطيم القبيلة وأي شئ يحث على عصبية قبلية عربية ، وشل حركة المقاومة بعد أن شاركت القبائل الوهرانية في حرب الامير عبد القادر ، فكان من آثاره زوال الهوية القبيلة وعروشية واحلال مكانها “” ثقافة المدينة ومواطنة “” ، رغم ذلك تظمن ولاية وهران حاليا العديد من عائلات وافدة على منطقة والتي شكلت نوعا من مكونات الجديدة ، كهجرة فروع من قبائل الحميان باعداد كبيرة ( اصلهم من منطقة غرب غليزان وبلعباس وجنوب تلمسان ) واستقرارهم في الجنوب وهراني ومناطق تجارية ، وكذلك وفود بعض العائلات من مختلف ولايات مجاورة والتي استقرت فيها لاسباب اقتصادية بل حتى ظهور بعض عائلات من مناطق بعيدة نسبيا عن وهران كبعض العائلات قبايلة (زواوة) وبشارية (نسبة لمنطقة بشار في اقصى جنوب غربي جزائري وهي كلها هجرات (سواءا كانت فردية او جماعية ) نسبية حديثة يعود معظمها لما بعد سبعينات .
المصادر :
-1 الباحث : خالد بن قافة قام بتقديم دراسة سيسولوجية على هذه الظاهرة من خلال بحثه : مقـاربـة سـوسـيولوجيـة لحركيّـة السـلطة السـياسـية المحليـة ، بلــديــــة «الســـــانـيـا» فـــي الجــــزائـــر نمــوذجـــاً
2- الأرشيف الفرنسى :Recherches sur l’origine et les migrations des principales tribus de l’Afrique septentrionale et particulièrement de l’Algérie / par E. Carette,1853, chapitre X: distribution actuelle des populations arabe et berbere sur la surface de l’algerie
3-أ.ف.دينيزن ، الأمير عبد القادر والعلاقات الفرنسية العربية في الجزائر .(ترجمة :أبو العيد دودو) . دار هومه للطباعة والنشر والتوزيع ،الجزائر ، 2003 ، ص.ص.54-55.