في الواجهة

استراتيجية نشر الفقر

احمد الحاج
شركات احتكارية عالمية عابرة للحدود باتت أقوى من الدول وهي تتربع ومنذ أمد ليس بالقصير على عرش اقتصادات العالم لتتحكم بخيراته ، وتسرق ثرواته ، وتلوث تربته ومياهه وأجوائه وقلما يعرف الكثيرون منا دور هذه الشركات العملاقة في احتلال دول،وإفقار أمم ، وإمراض شعوب بأسرها .
قبل أيام ساقتني الأقدار لأتابع عن كثب برفقة قريب مصاب بالمرض الخبيث ( السرطان ) في مرحلته الرابعة ، عافانا الله تعالى وإياكم ، وأطلع على أحوال المرضى ، وتداعيات المرض الفتاك إضافة الى آلامه المبرحة ، وتكاليفه الباهظة في العيادات الخاصة ، والمستشفيات الاهلية والحكومية ، زيادة على الصيدليات والمختبرات ، وأجهزة الرنين المغناطيسي والمفراس الحلزوني والسونار ، ومعاناتهم من جرعات الكيماوي والاشعاع والحق أقول لكم لقد صدمت ، بل قل صعقت وأسقط في يدي ، ولم أنبس ببنت شفة وأنا أرقب بأم عيني أعداد المرضى الهائل ، ولكل الاعمار ، ومن كلا الجنسين ، ومن جميع المحافظات العراقية ممن أصيبوا بالمرض الخبيث ، ولاسيما من أبناء البصرة والانبار العزيزتين ، أعداد غفيرة ، وطوابير طويلة تسد عين الشمس بوجود نقص حاد في الأدوية و العقاقير والحقن ، وبكلف عالية جدا في حال العثور عليها وبفوارق مخيفة في الأسعار بين مذخر وآخر ، وبين صيدلية وأخرى ،وكثير منها مستورد من مناشيء تكنى بـ ” العالمية ” مشكوك في جدواها وجدارتها وكفاءتها اضافة الى صحتها لأن سوء التخزين هاهنا وبخلاف الضوابط والشروط الدولية صار عرفا فاسدا حيث تبيت البضائع أياما طويلة قبل اكمال اجراءاتها وأوراقها – ودفع المقسوم – ولأن تزوير العلب والماركات والملصقات وتواريخ الصنع والنفاد – ولاسيما بمطابع البتاويين – داخلة في سياق الجريمة المنظمة في بلاد ما بين – الجفافين ،والحربين ،والتلوثين ، والجوعين ، والظلامين ، والظلمين – فهذا البلد المظلوم لا يكاد ومنذ عقود طويلة يغادر حربا حتى يدخل في أخرى ، ولا يكاد يغادر ظالما جائرا ، و ظلاما دامسا حتى يحشر في نفق أحلك ظلمة وأشد ظلما وعلى قول المتنبي :
مات في البرية كلبٌ … فاسترحنا من عواه
خلف الملعون جرواً … فاق بالنبح أباه
والكل بات يسأل ويتساءل ( ترى لماذا ينتشر مرض السرطان بأنواعه في العراق بهذا الشكل المخيف ، وبتلك الصورة المرعبة ؟) لتأتيك الاجابة تارة على لسان بعض أصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى أنفسهم ، وأخرى على لسان من صحت على حين غرة ضمائرهم الميتة والكل يردد بلسان الحال لا المقال ما نظمه طرفة بن العبد يوما :
ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً … ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ

ولعل البداية المتسلسلة تنطلق من “القتلة الاقتصاديون ” إنهم رجال محترفون يتقاضون أجراً عالياً لخداع دول العالم بابتزاز ترليونات الدولارات وتحويل الاموال لتصبَّ في خزائن الشركات الضخمة وذلك من خلال تقاريرُ مالية محتالة وانتخاباتٌ مُزوَّرة ورشاوى وابتزاز وغواية جنسية وجرائم اغتيال فبهذه العبارات لخص الخبير الاقتصادي الأمريكي (جون بيركنز) عمل الشركات الاحتكارية الكبرى العابرة للحدود والتي تمثل دولا عميقة داخل الدول وحكومات ظل دولية مستترة تقبع خلف الحكومات المحلية الظاهرة لتتلاعب بالعملات والاقتصادات وتنهب الثروات وتدير الانقلابات وتؤجج الثورات وتحيك المؤامرات وذلك في كتابه (اعترافات قاتل اقتصادي ) المنشور عام 2004 ، وقد أتى بيركنز على ذكر آل بوش وأل روكفيلر ، وجورج شولتز ، والاخوين تشارلز وديفد كوك ، واصفا إياهم جميعا بأنهم أسوأ من المافيا فالشركات العابرة للقارات تتمتع بنفوذ هائل تشكل لوبيات للضغط على صنّاع القرار مع تقديم الرشاوى والتهرب الضريبي واستغلال العمال وتشغيل الأطفال وفقا لدويتشه فيله الالمانية .
فشركة (بيكتل ) والتي كان (جورج شولتز) قد شغل منصب المدير التنفيذي لها ودورها في غزو بنما لا يخفى على المراقبين والمحللين وقبلها اغتيال الرئيس البنمي (عمر توريخوس )
بعد رفضه شق بكتل الامريكية لقناة جديدة في بنما ليمنح عقدها إلى شركات يابانية بدلا منها أعقبها غزو بنما وقتل 2000 شخص وتدمير مركز الاستخبارات البنمية لما يضمه من وثائق وصور وملفات وفضائح تدين بوش الابن ، وشولتز وغيرهم من الساسة الاميركان
ومن ثم اعتقال الرئيس البنمي مانويل نورييغا، لحيازته صورا التقطت لهم خلسة بتوجيهات منه في جزيرة كونتادورا البنمية بحسب وكالة (روسيا اليوم ) .
أما عن الحرب على العراق 2003 فهذه قد وصفت بأنها (حرب هاليبرتون) وكان (ديك تشيني) مديرا تنفيذيا لهاليبرتون بين 1995 – 2000 قبل أن يصبح نائبا للرئيس الاميركي
والذي يحلو لي تسميته بـ جورج WC بوش بين 2001 / 2009 وسبق له أن شغل منصب وزير الدفاع بين 1989 – 1993 وأدار الغزو الأمريكي لپنما عام 1989 وعملية عاصفة الصحراء عام 1991 وقد انخرطت الشركة مع الجيش الامريكي بعد أن فازت بمناقصة إطفاء 320 بئرا نفطيا في الكويت عام 1991 لتحصل بعد غزو العراق 2003 على عقد تجهيز القوات الأميركية بـ 42 ألف وجبة غذاء يومية وعقد الاستيلاء على صناعة النفط العراقية أما فرع الشركة “كيلوغ براون آند روت” فقامت عام 2003 ببيع الجيش الأميركي وقودا مستقدما من الكويت بأسعار تفوق أسعار السوق وفقا لمكتب المحاسبة في البنتاغون
اما شركة شيفرون الامريكية العاملة في مجال الطاقة ولها فروع في 180 دولة فهذه متورطة بفضـائح النفط مقابل الغذاء والإسهام بتلويث بيئة الإكوادور وإلقاء مخلفات سامة و تلويث البيئة ولاسيما في الامازون اضافة الى دفع رشاوى لمسؤولين في غينيا الإستوائية وبورما ودعمها لضربات عسكرية في النيجر وقتل المتظاهرين في نيجيريا .
كذلك الحال مع شركة مونسانتو احدى الشركات المساهمة بصناعة القنبلة الذرية والتي تحولت إلى انتاج البذور الزراعية عقيمة الثمار والمعدلة وراثيا – المسرطنة – كذلك المبيدات الحشرية الملوثة للبيئة وقد تورطت الشركة بإنتاج (العامل البرتقالي)الذي استخدمته الولايات المتحدة لتدمير الغابات والمحاصيل الزراعية في فيتنام ما اسفر عن اصابة 3 ملايين شخص بمادة الديوكسين السامة اضافة الى تشوّهات خلقيةأصابت 500 ألف طفل حتى الان والحبل على الجرار ، كما أن هذه الشركة اللعينة التي جمعت منظمة آفاز غير الربحية والتي تضم 70 مليون عضو في 194 دولة ، ملايين التواقيع حول العالم لتقديمها الى المحاكمة ، لأن (شركة مونسانتو ) هي من تقف وراء ظهور مرض جنون البقر وأنواع السرطانات حول العالم حتى لقبت بـ شيطان الزراعة “فهل ستحد الدول من إحتكار وتحكم الشركات العابرة للقارات في زمن الركود والانكماش الاقتصادي العالمي ؟ ) الجواب وبالعامية ( موعيب ؟!) ، والسبب بالفصحى وعلى قول الشاعر المصري (احمد محرم) :

أَرى فَساداً وَشَرّاً ضاعَ بَينَهُما…أَمرُ العِبادِ فَلا دينٌ وَلا خُلُقُ

أما بصدد ارتفاع معدلات الاصابة بالامراض السرطانية ولاسيما بين الاطفال في محافظة البصرة فقد اثارت مخاوف كثيرة بوجود عدة عوامل يتصدرها دخان المصافي ، والمشاعل النفطية وبما يمكننا تسميته بـ ( الذهب القاتل ) ، صحيح أن أسبابا عديدة تلك التي تتسبب
بانتشار مرض السرطان بمحافظة البصرة بمعدل 9 آلاف إصابة سنويا وقد سجلت أكثر من 27 الف اصابة بالسرطان خلال الاعوام 2018 / 2019 / 2020/وفقا لقناة الحرة الامريكية ، إلا أن المتهم الأول هو مخلفات اليورانيوم الأمريكي المنضب ، وانبعاث المركبات الكيميائية ، زيادة على الحقول النفطية المستثمرة من الشركات الأجنبية حيث يحرق الغاز في الهواء الطلق لينتج عن غاز الشعلة ذاك مزيج قوي من ثاني اكسيد الكربون والميثان والهباب الأسود الذي يعمل على تلويث الهواء ويزيد من خطر الإصابة بسرطان الدم ولاسيما تلك الحقول القديمة التي تعمل فيها شركة بريتيش بتروليوم ، وشركة إيني الإيطاليّة ، وفقا للبي بي سي ، وتشير إحصاءات وزارة الصحة لعام 2021 إلى تسجيل 2000 حالة اصابة بالسرطان سنويا بسبب مشاعل النفط التي تطلق غازات سامة في الهواء نتيجة عمليات الاستخراج من الحقول مع تجاهل المعايير والضوابط البيئية والصحية المعتمدة
وفقا لموقع “المونيتور” الأميركي والنتيجة هي أن البصرة تتصدر قائمة المدن العراقية
بمعدلات الاصابة بالسرطان وقد تم تسجيل ما بين 600 الى 700 شهريا خلال العام 2020 وفقا لمفوضية حقوق الانسان في البصرة فيما اظهرت بيانات الأقمار الصناعية (حقل الرميلة ) وهو واحد من أكبر حقول النفط وكيف يتسبب بحرق الغاز بكميات أكبر من أي موقع آخر في العالم ما دفع السكان المحليين لتسميته بـ (المقبرة) أو مناطق القرابين (البشرية) بحسب البي بي سي .
وتأسيسا على ذلك فإن الشركات المشرفة على مصافي وحقول النفط مطالبة بتدوير الغازات المنبعثة واستثمارها بدلا من الكوارث الهائلة التي تسببها اضافة الى وجوب العمل بعيدا عن المناطق السكنية ولابد من بناء عشرات المستشفيات الخاصة بعلاج مرضى السرطان وبكامل تجهيزاتها ومعداتها وطواقمها الطبية لعلاج المرضى – مجانا – وتوفير الادوية اللازمة لهم – مجانا – بالتزامن مع انشاء منظومة متكاملة لـ – تدوير النفايات – والطمر الصحي الآمن ، ومعالجة مياه الصرف الصحي قبل القائها في الانهر والمصبات ، ومعالجة المخلفات وبالاخص البلاستيكية منها ومخلفات المصانع التي تلوث المياه وتسرطنها ، اضافة الى رفع النفايات ، والتوقف عن إهدار الغاز المصاحب ، والتوقف عن بناء المصافي والمصانع بالقرب من المجمعات السكنية ، زيادة على اعادة نظام التقييس والسيطرة النوعية لمتابعة وفحص – المواد الغذائية التالفة والمسرطنة – التي تدخل الى العراق بملايين الأطنان ، وابعاد ابراج الاتصالات عن المناطق المأهولة بالسكان علاوة على منع استخدام واستيراد البنزين الممزوج بـ (رباعي إيثيل الرصاص) والمستخدم حتى يومنا في العراق واليمن والجزائر، والمحظور عالميا بتوجيهات من الامم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية في عشرات الدول لما يسببه من أضرار هائلة ، ولما ينجم عنه من مخاطر صحية وبيئية لاتحصى ، ليس أولها أمراض القلب والسكتات الدماغية والسرطان، ولا آخرها نقص نمو الدماغ البشري وتراجع ذكاء الاطفال فهل من مجيب …أم وعلى قول الشاعر :

تغافلت حتى صرت من فرط غفلتي …كأني لا أدري بتلك المراهب

أودعناكم أغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى