تعاليقرأي

كيف تحمي نفسك هناك ؟

كاظم فنجان الحمامي

هناك. في بلد العجائب. في البلد الذي سُنت فيه أولى الشرائع والدساتير، وتعلم فيه الإنسان أصول الكتابة والتدوين. ووضعت فيه اللبنات الأولى لأنظمة الري والزراعة والعمارة والفلك والملاحة منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد. في ذلك البلد بالذات، وعلى وجه التحديد في الألفية الثالثة بعد الميلاد. تغيرت القيم والمبادئ والأعراف. وانقلبت المفاهيم والمعايير رأساً على عقب. وأصبح المواطن أسيراً لقواعد المظاهر الخدّاعة، ورياح المحاصصة وأولويات الولاءات الفئوية التي ابتكرتها الأحزاب والكيانات السياسية المتكاثرة بالانشطار. .
فحتى تحمي نفسك، وتصبح بمنأى عن الهجمات والاتهامات المتساقطة فوق رأسك من كل حدب وصوب لابد ان ترتمي بأحضان إحدى التنظيمات القوية، ولابد ان تسلك الطريق الذي سلكه المناضل المتلوّن (ميم أليف)، الذي كان قبل عام 2003 من أنشط الرفاق في صفوف حزب البعث داخل مدينة المعقل بالبصرة. ثم اطلق لحيته وكوى جبهته، وتجلبب برداء الورع والتقوى، وانتمى إلى صفوف الفصائل المسلحة. أو تسلك المسار الذي انتهجه (نون هاء) عندما تحول في ليلة وضحاها من عضو عامل في الحزب الحاكم عام 2003 إلى معمم يتلقى دروسه الفقهية والتفسيرية بالتزامن مع وصول أول دبابة من دبابات الغزاة. .
وهكذا صار الانتماء إلى التنظيمات الجديدة هو الذي يضمن لك الوقاية والحماية. اما إذا تمسكت بلعب دور المواطن (المستقل)، وانصرفت لشؤونك الخاصة، فلا احد يضمن لك النجاة من حملات التشهير والتسقيط حتى لو كنت تعيش في عزلة تامة تحت طبقات الأرض، أو في جزيرة نائية من جزر الكاريبي. .
أحيانا نشاهد لقاءات متلفزة مع أرباب السوابق وقبضايات الأحياء الشعبية في مقابلات تجريها معهم الفضائيات، يتحاورون معهم كأنهم من علماء الاجتماع في التنظير والتبشير والتحضير لعهد جديد يخوّنُ فيه الأمين، ويؤتمنُ فيه الخائن. .
قبل بضعة أيام سمعت احدهم ينصح صديقه الموظف المراوغ. يقول له: حاول أن تُحصِّن نفسك بالانتماء إلى هذه الجماعة أو تلك. ثم افعل ما يحلو لك، وارتكب ما يخطر على بالك من الأخطاء. أسرق انهب أكذب ارتكب المخالفات بالطريقة التي تعجبك، واعقد الصفقات المشبوهة على طريقة فلان أو فلان، ثم ألعب مثل لعب الخضيري بالشط. فلن يحاسبك احد، ولن ينتقدك ناقد. ولن يتهموك بالتبذير والفشل وهدر المال العام. ولا تكن مثل (كاف فاء حاء) الذي خذله المتحزبون وتآمروا عليه لأنه كان عفيفاً مستقلاً متمرداً عليهم (حسب ما جاء على لسان بعض قادتهم)، حتى تصدر اسمه نشرات المتهمين الدائمين. وصار هو المتهم الاوحد بلا منازع في ذلك البلد منذ عام 2016 وحتى كتابة هذه السطور . .
وقديما قالوا: اللي خالتها بالبيت تشبع تمر وزيت. . .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى