دراسات و تحقيقاتقانون وعلوم سياسيةقانون وعلوم سياسية و إدارية

القضاء الاداري و الأخطاء المهنية والوظيفية في دول عربية

الضوابط المخففة والمشددة للعقوبة التأديبية وفقا لظروفها والمستنبطة من قضاء المحكمة الإدارية العليا في مصر والعراق

محمد صباح علي


من أجل حماية حقوق الموظف والإدارة، ولرفع مهارة اللجان التحقيقة وإمكانية تقليل التظلمات على قراراتها أمام القضاء الإداري، والاستفادة من التطبيقات القضائية للمحاكم الإدارية في الجانب العملي، ناقش البحث الضوابط المخففة والمشددة للعقوبة التأديبية.

Summary
In order to protect employee and administration rights, and to. raise the skill of investigative committees and the ability to reduce grievances over their decisions in front of the administrative judiciary, and to benefit from the judicial applications of administrative courts in the practical aspect, the research discussed the reduced and aggravating controls of disciplinary punishment.

المقدمة
لما كانت الأخطاء الوظيفية عديدة وكثيرة ومفترض ارتكابها أو الوقوع فيها من قبل الموظف، حيث منحت الإدارة سلطة تقديرية في مواجهتها، ولأجل أن لا تكون الإدارة الخصم والحكم في ذات الوقت، وجد قضاء إداري يمارس رقابته على أعمال الإدارة، في أن تأتي أعمالها وفقا للقانون، ولئن كان القضاء الدستوري يحمي الحقوق والحريات العامة للأفراد، ويمنع تطبيق أي قانون يتعارض معه فيحقق الشرعية، بنفس المبدأ يحمي القضاء الإداري مبدأ المشروعية، إذا استعملت الإدارة سلطتها بصورة كيدية أو لم تحقق الصالح العام، وفي ميدان العقوبات التأديبية يتمتع القضاء الإداري برقابة على قرار الإدارة في تقدير وفرض العقوبات على الموظف، فيكون صمام أمان لحالات الغلو في فرض العقوبة المفروضة من الإدارة لتخفيضها، ويعمل العكس إذا ما كان فعل المتهم على قدر كبير من الجسامة والضرر بالمال العام، فيثبت للإدارة عدم القناعة بتقدير العقوبة في حال لم تكن متوافقة وفعل الموظف الثابت من الظروف والملابسات المتحصلة من الأوراق، ولأجل الالتزام بمبدأ المشروعية وتطبيقه من قبل الإدارة، يتعين على موظفيها القائمين بممارسة سلطة التحقيق أن يعززوا من المبدأ بفرض عقوبات متناسبة مع فعل الموظف، وإذا طرحنا السؤال الآتي: ما هي المعايير المتبعة للجان التحقيقية عند فرضها العقوبات المناسبة لفعل الموظف من ناحية التشديد والتخفيف؟ تكون الإجابة ليس لدى الكثير اطلاع على تلك المعايير، والدليل زيادة عدد المتقاضين أمام محكمة قضاء الموظفين للطعن بالعقوبات الانضباطية، لاسيما وان الكثير من اللجان لم يقفوا عند مبدأ التناسب، ليأتي التقدير إما بالتشديد أو التفريط دون مراعاة لظروف الموظف المحيطة بالواقعة، وتلك الحالة تتعارض مع مبدأ المشروعية، ولأجل ذلك تم اختيار البحث ليسلط الضوء على تلك الضوابط علها تكون دليل نافع لهم.
أهمية الموضوع
تقع أهمية الموضوع في جانبين، أحدهما الموظف، فإيقاع عقوبة علية دون مراعاة مبدأ التناسب يخرق مبدأ المشروعية وله تأثير كبير على حرمانه من حقوقه الوظيفية والمالية، التي يسعى لها، إما الجانب الأخر هي الإدارة عندما لم تنصفها اللجنة التحقيقية فيما تتوصل إلية، لاسيما إذا كان الموضوع يتعلق بإضرار مالية وقعت على المال العام.
مشكلة البحث
لوحظ من خلال تدقيقنا لكثير من اللجان التحقيقية، أن القائمين بالتحقيق ليس لديهم معلومات عن فكرة التناسب بين الفعل والعقوبة، وكما يرتد سوء التقدير على الموظف المخالف فانه يرتد أيضا على الإدارة، فالضرر المتولد يلحق الطرفين، لاسيما عندما يتعامل الموظف المعاقب مع وظيفته على أنها بيئة طاردة له وغير مقدره لمجهوده وعمله، فيعمل على التنصل من الأعمال الوظيفية وعدم أدائها بالشكل المطلوب ونشوء عداء مع الرؤساء الإداريين، الأمر الذي يؤثر سلبا على أداء المرافق العامة، وعليه غاب عن اللجان ضابط التقدير ولجأت إلى الإسراف إما في التشديد أو التفريط.

أهداف البحث
والأهداف المراد بيانها هي :
1- العوامل المؤثرة في قناعة القاضي لتشديد العقوبة التأديبية.
2- العوامل المؤثرة في قناعة القاضي لتخفيف العقوبة التأديبية.

منهجية البحث
اتخذ البحث من أحكام المحكمة الإدارية العليا في مصر منهجا تطبيقيا مقارنا؛ لما لتلك المحكمة من دور إنشائي مهم، صنع مبادئ قانونية لها أثرها البالغ على القضاء الإداري في الوطن العربي ولاسيما العراق، مع قضاء محكمة قضاء الموظفين في العراق، وتسليط الضوء على الفارق بينهم.
خطة البحث
قسم البحث إلى مقدمة ومطلبين وخاتمة البحث التي تضمنت المقترحات التي لها أهمية في موضوع البحث، وكالآتي:
المطلب الأول: تشديد العقوبة
المطلب الثاني: تخفيف العقوبة
الخاتمة
المطلب الأول
تشديد العقوبة
كثير هي المخالفات المرتكبة من قبل الموظف أثناء مسيرته الوظيفية، حيث تتعامل معها السلطة الإدارية شكلا من خلال التحقيق الأولي الذي تجريه في مرحلة أولى لتتوصل إلى مدى ارتكاب الموظف للمخالفة من عدمه، ثم السير بإجراءات التوصية بالعقاب من قبل اللجنة التحقيقية تطبيقا لمبدأ المشروعية المعمول به في المجال الإداري والمعروف بمبدأ لا عقوبة إلا بنص، ثم أخيرا تأتي مرحلة الرقابة القضائية على سلطة الإدارة في حال طعن الموظف وعدم اقتناعه بها، للتأكد من التناسب بين المخالفة والعقوبة، أو بين الفعل والجزاء. والسؤال الذي يطرح هنا ما هي المعايير المعتمدة لدى القضاء لتشديد العقوبة التي يمكن الأخذ بها أو اعتمادها من قبل اللجان التحقيقية أثناء تقدير وفرض العقوبة إذا صاحب فعل الموظف ظروف تستدعي ذلك ، وكلنا نعلم لا يمكن تشديد أو تخفيف عقوبة دون وجود سند لذلك؟ كون أن تلك الضابطة لها دور من حيث مشروعية العقوبة الدائرة بين التشديد والتفريط التي لها إلغائها في حال عدم صحة فرضها( )، وللإجابة عما تقدم سنقسم هذا المطلب على فرعين نتناول فيهما أحكام القضائيين المصري والعراقي وكالآتي:
الفرع الأول
القضاء الإداري في مصر
من الصعوبة بمكان قياس الظروف المشددة المقننة في القانون الجنائي والواردة على سبيل الحصر والتعامل معها في القانون الإداري، وذلك لاختلاف محل الجريمة وسريان العقوبة الأمر الذي جعل منه تعذر تشريع للتشديد والتخفيف عند فرض العقوبة التأديبية( )، واستعاض بذلك عن طريق السلطة التقديرية للإدارة وقناعة القاضي وجسامة الفعل والواقعة المرتكبة، مما تنشئ سند للتشديد أو مبرر للتخفيف، وقد استقر القضاء المصري في تطبيقاته على ضوابط لتشديد العقوبة وهي:
أولا: استمرار الموظف في ارتكاب الجرائم
ويفسر ذلك الاستمرار بعدم المبالاة والاستهانة وعدم الانتباه لتلافي وتعديل سلوك الموظف المعاقب عن ارتكاب جريمة تأديبية، ومن ثم يكون التكرار بفرض العقوبة مدعاة وسندا للتشديد لعدم الاستفادة والردع من العقوبات السابقة والاستمرار بتكرار المخالفات( )، وقد عبرت عن ذلك المحكمة الإدارية العليا في مصر في معرض أقرار المبدأ بقولها (وحيث انه يبين من ملابسات إصدار القرار المطعون فيه بأقسى العقوبة، أن الجهة الإدارية قد رأت أن تاريخ المطعون ضده حافل بالمخازي، وأن نفسه قد انطوت على روح الاستهتار بالواجب، وعدم المبالاة بالعقوبات التي وقعت عليه، أو الإنذارات التي وجهت إليه محذرة إياه بالفصل، فلم يكن لهذا من أثر إلا التمادي في الاعوجاج، وأخذ الأمر بالهزل لا بالجد، مما يلحق أبلغ الإضرار بالصالح العام، فلا يمكن والحالة هذه القول بأن الجهة الإدارية قد أساءت استعمال سلطتها بفصل المطعون ضده من الخدمة، أو عدم وجود ملائمة ظاهرة بين الذنب الذي اقترفه، وبين العقاب الذي عوقب به)( ). ويصلح كثيرا المبدأ أعلاه المستقر من قبل المحكمة على أحوال الموظفين في حالة الاستمرار بارتكاب المخالفات، كون العود على ارتكاب الجريمة يدل دلالة واضحة على أن العقوبة لم تكن مناسبة، أو أن سلوك الموظف ألأجرامي بحاجة إلى تغليظ العقوبة.
ثانيا: الاستيلاء على أموال الدولة أو المساس بها
يكون تشديد العقوبة واجبا ومبررا في فرضها على الموظف الذي يأتي بفعل الاعتداء للاستيلاء على المال العام بأي صورة وفعل كان، نظرا للحرمة الخاصة التي جعلها المشرع لأموال الدولة، وأوجب على الدولة حمايتها وإنزال اشد العقوبات على المعتدي عليها. وأقرت المحكمة الإدارية العليا في المصر من خلال حكمها مبدأً يعزز في ذلك حماية المال العام وتطبيق أقسى العقوبات على مرتكبه حيث قالت ( أن قيمة ما ضاع من مال الدولة (نتيجة التزوير في محررات رسمية) يعتبر كبيرا نسبيا، ومن ثم لا ترى المحكمة أن الموظف يستحق شيئا من الرأفة، بل ترى أن الفصل كان جزاءً وفاقا لما أقترف من أثم)( ). كما أقرت في حكم أخر لها ( أن ما ثبت في حق الطاعنة هو قيامها بالاستيلاء على مال الشركة التي تعمل بها، وهي مخالفة على درجة كبيرة من الجسامة، مما يجعل القرار المطعون فيه متناسبا وخطورة الذنب الذي ثبت في حقها)( ). والمراد إفهامه من واقع الأحكام بأن الاستيلاء والتلاعب على المال العام هي مخالفة تنطوي على قدر كبير من الجسامة، ولا يوجد ما يمنع من فرض أقسى العقوبات والتشديد بها.
ثالثا: عدم مراعاة الواجبات الوظيفية والمساس بالأمانة والثقة الواجبة فيها
من الأمور المهمة التي يتعين على الموظف مراعاتها عند أشغالة مركز قانوني في الوظيفة العامة؛ قيامه بأداء الواجبات الوظيفية للمصلحة العامة في حدود العمل الوظيفي الموكل إليه، وبما أن الموظف هو أداة الدولة ووسيلتها في تلبية احتياجات المرفق العام ينبغي علية أن يمثلها أحسن تمثيل ويكون أمينا على أسرار الوظيفة وما تستلزمه اعتبار الثقة المتبادل، وما إذا مست تلك الأمانة والثقة قطع بين الموظف والإدارة عادت عليه بجزاء على مخالفة ما أؤتمن عليه. وفي ذلك قالت المحكمة الإدارية العليا في مصر ( المخالفة الأولى تنطوي على أخلال المطعون ضده أخلالا جسيما بواجبات وظيفته ومقتضياتها، والثقة الواجب توافرها فيه، إذ لا شك أن مما يتنافى مع الثقة الواجبة في المطعون ضده كطبيب، أن يتخلى عن أداء واجب من أهم الواجبات وضعها المجتمع أمانة بين يديه………….. وان الإخلال به يؤدي إلى عدم دقة الإحصاءات الصحية التي تبني علية الدولة مشروعاتها، ومن ثم فإن هذه المخالفة وحدها تكفي لإقامة القرار المطعون فيه على سببه الصحيح، ويصبح الجزاء الموقع على المطعون ضده بخصم مرتب شهر مناسبا لما ثبت في حقه من أخلال بواجبات وظيفته)( ). وفي قرار أخر لها استندت فيه على أهمية الأمانة العلمية في الواجبات الوظيفية قالت ( لما كان البين أن المخالفة المسندة إلى الطاعن والتي ثبتت في حقه تنطوي على الإخلال الجسيم بواجب الأمانة العلمية وهو من اخص واجبات وظيفته- كعضو في هيأة التدريس- بجامعة الأزهر التي تفرض علية السعي لإنتاج البحوث المبتكرة بدلا من التعدي على أنتاج غيره دون وجه حق وبالتالي فأن ما ثبت في حقه يشكل خطورة بالغة)( ). وإذا تأملنا مأخذ غرض المحكمة من تشديد العقوبة واعتبار الفعل بالغ الخطورة والجسامة هو اتصاله بنشاط الوظيفة العامة للدولة التي يجب شغلها من قبل موظفين يتوافر لديهم مسبقا عند الاختيار مبدأ الأمانة والثقة للمرفق العام ودرجة من الالتزام بأعمالهم من أجل الصالح العام.
رابعا: الإساءة إلى كرامة الوظيفة والالتزام بالأخلاق الفضيلة
يعد استكمالا لما بيناه في المبدأ أعلاه من أن يتولى الوظيفة العاملة أشخاص يتمتعون بحسن السمعة السلوك والأخلاق الحميدة الفاضلة، التي تترجم رسالة الدولة ومؤسساتها في المجتمع وتهدف إلى نشر السمات الواعدة المنبثقة من عادات المجتمع وتقاليده إلى كافة شرائح المجتمع عن طريق وسيلتها المتمثلة في الموظف العام، وما جاءت به المحكمة الإدارية العليا في مصر في هذا الجانب مشرف جدا عندما أقرت (وقد ثبت في حق الطاعن ارتكابه لكلتا الواقعتين المنسوبتين إليه بتقرير اتهام، وكانت الواقعة الثانية (هتك العرض) على قدر كبير من الخطورة والجسامة، لما يترتب عليها من إفساد تلميذات صغيرات لا تتجاوز أعمارهن العشر سنوات، وهو الذي أؤتمن على تعليمهن، فخان الأمانة، وانقلب من أمين عليهن، إلى ذئب بشري بنهش أعراضهن، فمن ثم يكون قد فقد أهم واجل مقومات بقائه في وظيفة التعليم، مما تنتفي معه صلاحياته للبقاء في الوظيفة، وإذا قضى الحكم المطعون فيه بمجازاة الطاعن بالفصل من الخدمة، يكون تقديره قد جاء مناسبا لما ثبت في حقه صدقا وعدلا، دون مغالاة في التقدير)( ). ويعد ظرف التشديد المقرر من قبل المحكمة مبني على أساس خيانة الأمانة الموكلة إلى الموظف وممارسة دور لا يرتقي بمن يتسلم وظيفة أبوية لإنشاء جيل ذات سلوك قويم.
خامسا: التزام المرؤوس بحسن معاملة رؤسائه في العمل
تفرض الوظيفة العامة التزاما أخلاقيا تجاه الرؤساء في العمل، ينتج عن ذلك الالتزام احترام وعدم الانتقاص وتصغير الرؤساء من قبل المرؤوسين لاستقرار العمل داخل مرافق الدولة ولفرض طابع شكلي ذات صيغة أدبية معنوية يعكس أخلاق موظف الدولة، وبالمقابل يجب على الرئيس احتواء المرؤوس وتقديم العون والمساعدة له وتبادل الاحترام، و تقرر خروج المرؤوس على هذا الواجب ظرف مشدد عند تقدير وفرض العقوبة التأديبية، وهذا ما يستنتج من حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر التي قالت( قضاء هذه المحكمة مستقر على تأثيم كل محاولات التشهير بالرؤساء وإسقاط هيبتهم والنقص من أقدارهم واعتبارهم أمام مرؤوسيهم، ولكون المطعون ضده قد ارتكب ذنبا إداريا بمخاطبة رئيس مجلس إدارة الشركة التي يعمل بها بمقر الشركة بأسلوب غير لائق، وصل إلى حد الاعتداء بالقول بألفاظ جارحة، الأمر الذي يستوجب مجازاته عن هذا الذنب)( ). وبرأينا أن هذا المبدأ لا يطبق به ظرف التشديد على عموميته إلا في حال الخروج عن المألوف ووصول الأمر إلى حالة اعتداء أي مشاجرة بين الموظف ورئيسه والتلفظ بألفاظ نابية غير لائقة لمجتمع الوظيفة العامة.
الفرع الثاني
القضاء الإداري في العراق
تعد محكمة قضاء الموظفين في مجلس الدولة في العراق الجهة المختصة بنظر الطعن في الدعوى المقامة من الموظف على دائرته في شأن ما يفرض علية من عقوبات انضباطية تفرضها السلطة الإدارية والمنبثقة عما توصي به اللجان التحقيقية، وتملك المحكمة إلغاء القرار في حال عدم مشروعيته، أو تخفيف العقوبة، أو المصادقة على القرار في حال خلوه من العيوب التي تصيب القرارات الإدارية، وبالرجوع في تفاصيل القضاء الإداري لاحظنا انه لم ينشئ مبادئ مستقر عليها كما في أحكام محكمتي الإدارية العليا والقضاء الإداري في مصر، وحيث وجدنا أن القاضي الإداري وهو ينظر في ظروف وملابسات فرض العقوبة الواقعة من قبل اللجان التحقيقية يصادق على القرار ولم يتوسع ليبحث دائرة التشديد بمبادئ قانونية تخرج بمعطيات قضائية يمكن اعتمادها سلفا من قبل اللجان التحقيقية التي تشكل من قبل السلطة الإدارية، لاسيما وأغلبية اللجان التحقيقية باتت تخفف وتشدد في فرض العقوبات الانضباطية على هواها دون وجود معيار لها، ولا يبقى للموظف سوى التظلم من القرار أمام القضاء الذي يعده ملاذه الأمن، ونتج عن ذلك كثرة الدعاوي المنظورة أمام المحكمة والذي برأينا ناتج عن عدم مراعاة اللجان التحقيقية للمعايير المستقرة في القضاء المصري، ونلاحظ في الجانب العملي لقرارات (مجلس الانضباط العام سابقا) محكمة قضاء الموظفين حاليا أنها صادقت على قرار اللجنة التحقيقية وعقبت على القرار بعبارات ترددت علينا سابقا لدى القضاء المصري وقرار المحكمة أفاد بأن(… وحيث أن المدعي وهو طبيب أساء إلى شرف المهنة، وقد أضاع بتصرفه بالمواطنة كل القيم والأعراف المتعارف عليها، وإنه لم يؤدي عمله بأمانة وشعور عال بالمسؤولية ولم يحافظ على كرامة الوظيفة لهذا تكون اللجنة التحقيقيه مصيبة فيما استنتجته من وقائع وما قررته من توصيات والعقوبة المفروضة على المعترض متوازنة ومتناسبة لما صدر منه من أفعال، وهي الفصل لمدة ستة أشهر لهذا قرر المجلس المصادقة عليها …)( ). والملاحظ أن القرار قد اعتمد على مبدأ المحافظة على القيم والأعراف والمحافظة على كرامة الوظيفة العامة، وهي تحديدا منحها القضاء المصري ظرف مشدد يستحق تغليظ العقوبة مبيننا ذلك بحكمة مع عدم المساس بمبدأ أن لا يضار الطاعن بطعنه حيث ربط مخالفة الموظف بجسامة وضرر الفعل المرتكب من قبل الموظف وأثره على المرفق العام وكان على القضاء الإداري في العراق تبيان ذلك بصورة واضحة وجلية لاستكمالها وتوحيدها كمبادئ ثابتة.
المطلب الثاني
تخفيف العقوبة
تخضع العقوبات التي تفرض من قبل السلطة الإدارية، لرقابة القضاء الإداري، باعتبار ذلك من الضمانات المهمة للموظف للوقوف بوجه سلطة الإدارة من التعسف في فرض العقوبات التأديبية، من دون مراعاة القواعد المقررة بتطبيق قاعدة التدرج في فرض العقوبة، ومن نتائج تلك الرقابة أن يقوم القضاء بالاطلاع على مجريات التحقيق والإفادات وتوصيات اللجنة التحقيقية وسماع أقوال الطرفين تمهيدا لصدور القرار النهائي تجاه الدعوى التي يكون احد أطرافها الموظف، وإذا ما شاب العقوبة المقدرة من قبل الإدارة غلو في فرضها عمل القاضي الإداري ومن خلال سلطته إلى تخفيضها، والسؤال الذي بصدد طرحه ما هي المعايير التي على أساسها يلجأ القاضي إلى تخفيض العقوبة المفروضة من قبل الإدارة؟ للإجابة على سؤالنا يستدعي منا عرض ما استقر علية القضائيين في مصر والعراق الأمر الذي يستلزم منا تقسيم هذا المطلب على فرعين وكالآتي:
الفرع الأول
القضاء الإداري المصري
من نتائج تطور وتجدد القانون الإداري انه قانون غير مقنن سريع التطور ومرن، وتسري تلك القاعدة على الظروف المخففة فهي غير منصوص عليها في القانون على سبيل الحصر( ) بل هي من اجتهاد القضاء الإداري من خلال أحكامه التي سطر فيها أروع ضمانات للموظف، وأقر حريات عديدة كانت للإدارة اتجاه نحو تقيدها ومصادرتها، واستمرت أحكامه في هذا الاتجاه النير وصولا إلى ميدان التأديب في الوظيفة العامة، فراح يفند ويحلل أعمال الإدارة ويعقب عليها من خلال أحكامه في حالة خروجها عن المشروعية أو ابتغائها تحقيق غاية كيدية غير الصالح العام، وعلى ضوء ذلك لن يقبل من الإدارة غلوها في تقدير العقوبة التأديبية، فذهب وبناءً على سلطته وظروف المخالفة وشخص الموظف إلى تخفيفها واستدراك مبررات التخفيف في أحكامه إلى الإدارة فباتت ما تضمنته تلك الأحكام في الطعون المنظورة من قبله مبادئ قانونية راسخة وملزمة للإدارة في أن تسير عليها ونستطيع أن نعرض لها وفق الآتي:
أولا: انتفاء عنصر القصد في الجريمة التأديبية
المبادئ العامة في القانون الجنائي تنص على عدم التساوي في العقوبة المفروضة على الشخص في حالة توافر القصد الجرمي من عدمه، وانتقل ذلك المبدأ في التطبيق إلى ميدان الإدارة ملزم للجانها التحقيقية في التطبيق عند تقدير وفرض العقوبة التأديبية على الموظف، وعلية يكون الموظف صاحب القصد الجرمي المتعمد بالأضرار بالمال العام مستحق اشد العقوبة من غيره الذي تنتفي عنه هذه الصفة التي جاءت المخالفة نتيجة غفلة أو عدم مبالاة أو بقصد السرعة بانجاز العمل الإداري، واستهدت المحكمة الإدارية العليا في أحكامها إلى قولها ( إن جسامة العمل المادي المشكل للمخالفة التأديبية إنما يرتبط بالاعتبار المعنوي المصاحب لارتكابها، بحيث لا تتساوى المخالفة القائمة على غفلة وعدم تبصر بتلك القائمة على عمد والهادفة إلى غاية غير مشروعة، باعتبار أن المخالفة الأولى اقل جسامة من المخالفة الثانية، وهذا ما يجب أن يدخل في تقدير من يقوم بتوقيع الجزاء التأديبي، وحكمت المحكمة بعد تقرير ذلك إلى تخفيف العقوبة المفضي بها في الحكم المطعون فيه، وهي الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر وجعلها الخصم من المرتب لمدة خمسة أيام، لما ثبت لها من انتفاء صفة العمد عن الجريمة المرتكبة في ضوء الظروف والاعتبارات الملابسة لذلك، الأمر الذي لم يتم مراعاته من قبل المحكمة التأديبية المطعون في حكمها عند تقديرها للعقوبة)( ). وبينت ذات المبدأ في حكم أخر بقولها (وقد ثبت من الحكم المطعون فيه أن المحكمة أقامت قضائها على أن المخالفات المنسوبة للطاعن تنطوي على إهماله إهمالا جسيما في أداء العمل المنوط به، ولم يستظهر من الأوراق ما يشير إلى توافر صفة العمد فيما أقدم عليه الطاعن من مخالفات، ومن ثم تكون المخالفات المنسوبة إليه قائمة على الغفلة والاستهتار والإهمال، ولم تقم على العمد وبهدف غاية غير مشروعة، مما يجعل الجزاء الموقع على الطاعن، وهو الخفض إلى الوظيفة الأدنى، يتسم بالغلو وعدم التناسب بين المخالفة والجزاء الموقع عنها، الأمر الذي يقتضي إلغاء الحكم المطعون فيه وتوقيع الجزاء الذي يتناسب واقعا وقانونا مع ما ثبت في حق الطاعن من مخالفات)( ). ونرى أن الدليل الذي استندت علية المحكمة من استخلاص وقائع الدعوى قد شكل قناعة لدى القاضي ومبرر بتخفيف العقوبة المفروضة على الموظف ومبدأ مستقر العمل فيه في القانون الجنائي، وكذلك ما استقر علية القضاء العادي في أحكام التعويض عن الإضرار في مال الغير بتوافر القصد العمدي .
ثانيا: انتفاء حدوث أضرار مالية وخسائر في المال العام
المنطق الطبيعي للأحداث يدل على حدوث أضرار مالية وخسائر في المال العام متولدة من فعل الموظف مرتكب المخالفة أو الجريمة، وقد يحدث إلا يتولد من المخالفة أو الجريمة التأديبية حدوث أضرار مالية وخسائر في المال العام، وهو ما يجب مراعاته ابتداءً عن تقدير وفرض العقوبة على الموظف، وطبقت المحكمة الإدارية العليا ذلك المبدأ في حكمها حيث قالت (أن الجزاء الموقع على الطاعن كان يجب أن يراعي في تقديره فقط إهمال الطاعن في المحافظة على العقد مما أدى إلى فقده، دون الخسارة التي تكون لحقت بالمشروع – لانتفاء علاقة السببية بين فقد العقد وتلك الخسارة- إلا أنه لما كان الثابت أن الجزاء الموقع على الطاعن هو الحد الأقصى الجائز توقيعه على من ترك الخدمة فمن ثم يكون قد شابه الغلو في التقدير ، وعدم التناسب الظاهر، بما يخرج الحكم المطعون عن دائرة المشروعية)( ).
وأكدت ذلك في حكم أخر لها بقولها ( استرداد المؤسسة الطاعنة ما سبق أن صرف للمطعون ضده من بدل انتقال خلال فترة استخدامه لسيارتها في زيارة المرضى من العاملين بها، طبقا لما هو ثابت في القرار المطعون فيه، يجعل الجزاء الموقع عليه بتخفيض فئته الوظيفية غير مناسب للذنب الثابت في حقه بما يصم هذا القرار بعيب عدم المشروعية، الأمر الذي يقتضي إلغاء القرار المطعون فيه ومجازاة المطعون ضده بخصم خمسة أيام من راتبه باعتبار أن هذا الجزاء يتناسب مع ما ثبت في حقه من ذنب إداري)( ). ويفهم من أحكام المحكمة أنها فصلت بين الخطأ الوظيفي غير المتسبب بإهدار أموال الشركة أو المؤسسة وشملته بمبرر التخفيف، خلافا للجريمة المتولد عنها ضرر مالي وهي ما لم تشمله بذلك وترجع على الموظف بالأضرار المالية الحاصلة في المال العام.
ثالثا: ضعف المستوى الوظيفي والثقافي والمعيشي
الأصل العام لا يوجد ما يمنع من فرض عقوبة تأديبية على الموظف التي لم تهيئ له ظروف اجتماعية جيدة في المجتمع، إلا أن ظروفه المتدنية تكون مبررا لتخفيف العقوبة علية، وهو ما ذهبت إلية المحكمة الإدارية العليا عند ما خفضت العقوبة المفروضة على الموظف الذي تجتمع فيه تلك الظروف وعبرت عن ذلك بالآتي: ( يتعين عند تقدير العقوبة مراعاة درجة العامل الوظيفية ومستوى ثقافته، ومدى إلمامه بالقراءة والكتابة، وغيرها من ظروف الحياة، وهو في الحالة الماثلة يجهل القراءة والكتابة، ويفتقر إلى الثقافة في أيسر مستوياتها، فضلا عن ظروفه المعيشية البائسة التي دفعته إلى ارتكاب ما ارتكب من مخالفات لقاء مبلغ يسير من المال، لذا فقد كان حريا بالحكم المطعون فيه أن يراعي هذه وتلك من الأسباب والمسببات التي يمكن في ثناياها الباعث الذي دفع الطاعن إلى ما قرفه من مخالفات، الأمر الذي يكشف عن عدم الملائمة الظاهرة بينها وبين العقوبة التي وقعت عليه وبالتالي تنجذب هذه العقوبة إلى دائرة عدم المشروعية ومخالفة القانون نظرا لما اتسمت به من غلو)( ). ومن ملاحظة الحكم نرى أن المحكمة قد شيدت سندها في تخفيض العقوبة على مراعاة أسس اجتماعية صعبة تعكس أثارها على حياة الموظف وهو مبدأ دأب تطبيقه ومراعاته لدى المجتمع الأوربي.
رابعا: خلو سجل الموظف من عقوبة سابقة
من خلال الاطلاع على صحيفة الموظف، وخلوها مما يشير إلى ارتكاب المخالفات وإيقاع العقوبات علية، يكون دلالة على التزامه وتطبيقه للأنظمة الوظيفية، وبل اشك أن ذلك يكون مبررا لتخفيف العقوبة علية، وفي ذلك قالت المحكمة الإدارية العليا (الثابت من الأوراق أن المتهم قد أمضى في خدمة الهيأة حوالي أربعة عشر عاما، ولم يتبين من هذه الأوراق أن جزاء ما قد وقع علية خلال تلك المدة، فإن أخذه بهذه الشدة المتناهية وتوقيع أقصى العقوبات المقررة علية، مما يخرج الجزاء الموقع عن حد المشروعية)( ). وأيضا أكدت ذات المبدأ في حكم أخر لها بقولها( في ضوء الظروف والملابسات التي تشير إلى أن ما حدث من الطاعن هو أمر عارض غير مسبوق في حياته الوظيفية، مما تغدو معه العقوبة الموقعة عليه، وهي خفض وظيفته في الدرجة الأدنى مباشرة، غير متناسبة مع الخطأ الذي وقع منه)( ). ولإقرار هذا المبدأ اهميتة الجمة للموظف وللمرفق العام رفع خدماته، حيث يتولد شعور لدى الموظف بأن المضي بالالتزام بتطبيق القانون ومراعاة توجيهات المسئولين وعدم الخروج عن السياقات الأصولية للوظيفة تأخذ بالاعتبار إذا خطأ الموظف لأول مرة، لاسيما وان العمل الإداري يفترض الخطأ، وبرأينا نحن بحاجة لتطوير هذا المبدأ مع تعقد الالتزامات القانونية والإدارية ولكثرة المهام التي تسند للموظف ولا يوجد منها سبيلا ليحمي نفسه.

خامسا: قلة توافر الخبرة والدراية بالعمل ومشاركة المرفق في الخطأ
وعلية يعد عدم إحاطة الموظف بالخبرة والدراية بأمور العمل وفنياته في الوظيفة التي يشغلها، وعدم تأهيلهم التأهيل الكافي والتأكد من أنهم قادرين على تسيير الأعمال المسندة إليهم، بالإضافة إلى عدم توزيع العمل بينهم كلا بحسب اختصاصه، فيكون ما يقعون فيه من أخطاء في العمل مشترك معهم المرفق ويشكل مبررا لتخفيف العقوبة، وأقرت المحكمة الإدارية العليا ذلك في تطبيقها لذات المبدأ وقالت في حكمها ( الظروف والملابسات سواء المتعلقة بالمدعي أم بالحادث، لا تستدعي أخذه بهذه الشدة المتناهية، ومجازاته بأقصى الجزاءات التأديبية (الفصل) ………… ومما لا شك فيه أن أعمال تشغيل ماكينات الضخ تخرج عن مهام تخصص المدعي ، وبهذه المثابة فإن الجمعية إذ أسندت إلية هذا العمل على خطورته، دون أن تؤهله لهذا العمل، وتتأكد من صلاحيته له تكون قد شاركت بخطئها في وقوع الحادث، بما لا يسوغ معه عدلا، أن يتحمل هذا العامل وحده مسؤولية ما وقع فيه، ويتعين لذلك إلغاء القرار المطعون فيه، ليعود الأمر إلى الجمعية المدعى علية، لتوقع على المدعي الجزاء العادل الذي يتناسب مع ما بدر منه)( ). وطبقت ذات المبدأ في أخر لها بقولها( أن الطاعن حديث العهد والسن بالعمل، وبالبناء على ما تقدم فأن فصله من العمل والحالة هذه، يكون مشوبا بالغلو ، بالنظر إلى ما ثبت في حقه من ذنب تأديبي في الظروف التي صاحبت ارتكابه، مما ترى المحكمة معه تعديل الحكم المطعون فيه، فيما قضى به من توقيع جزاء الفصل على الطاعن، إلى خفض أجره بمقدار علاوة)( ). وأن سند التبرير للمحكمة له آثار ايجابية على المرفق العام ودافع للموظف على الإقبال على العمل واعتراف منها بمبدأ أمكانية وقوع الأخطاء من قبل الموظفين حديثي العهد ورائدي التجربة ليكون التخفيف عدلا في ذلك.

الفرع الثاني
القضاء الإداري في العراق
سبق وان بينا فيما تقدم أن محكمة قضاء الموظفين في العراق، وهي تنظر الطعن المقدم من قبل الطاعن لاعتراضه على العقوبة المفروضة علية، وإذا ما اقتنعت بعدم شرعية فرضها، أو لمست غلو في تقديرها فلها إلغائها أو تخفيضها انطلاقا من مبدأ عدم التناسب بين المخالفة والعقوبة الانضباطية والتزاما بقاعدة التدرج في العقوبات، وقد لمسنا في القضاء العراقي في قراراته ما يقضي بتخفيض العقوبة ويستند على ذات المبررات التي لاحظناها في قضاء المحكمة الإدارية العليا في مصر، إلا أنه لم يؤسس ويستكمل في ذلك لمبادئ قضائية تشمل المخالفات الوظيفة العديدة التي يتعرض لها الموظف إذا ما وقع منه خطأ وظيفي، كما لها أن تكون دليلا للجان التحقيقية التي باتت تغالي بفرض العقوبات تحت مصطلح حماية المصلحة العامة فتشدد الخفيف وتخفض الشديد وهي لا تبالي لآثار ذلك واعتباراته، وبالعودة إلى تطبيقات القضاء الإداري في العراق نجد في قرار لمجلس الانضباط العام (محكمة قضاء الموظفين حالياً) قضى بتخفيف العقوبة في قراره المرقم 2922 في 9 / 12 / 1992 الذي جاء فيه(… وحيث أن المعترضة وهي طبيبة بيطرية لم تتعمد إتلاف المواد الطبية؛ وإنما كان تصرفها نتيجة عدم إرشادها وتوجيهها بصورة علمية دقيقة وصحيحة، وإن استمارتها الشخصية لم يسجل فيها ما يسيء إلى عملها الوظيفي؛ لذلك يرى المجلس أن عقوبة التوبيخ كانت شديدة بحقها وغير موازية ومتناسبة مع ما أسند لذلك قرر المجلس تخفيف العقوبة إلى قطع الراتب لمدة ستة أيام…)( ).
وفي قرار آخر وجد أن (التناسب بين الفعل والعقوبة أمر لازم يجد المجلس أن عقوبة العزل شديدة، ولم يسبق للمعترض أن عوقب بأي من عقوبات الفصل …،ولما تقدم قرر إلغاء الأمر الوزاري المرقم 6084 في 15 / 12 / 1995 وتخفيض عقوبة العزل إلى التوبيخ وهي العقوبة المناسبة للفعل المرتكب)( ).
وأكدت أيضا في قرارها المرقم 3 / 71 والصادر في 23 / 1 / 1973 المتعلق باعتراض موظف عاقبته اللجنة الانضباطية بإنقاص راتبه بنسبة 5٪ لمدة سنتين بسبب كثرة غيابه وتأخره عن الحضور في الموعد المحدد (… أن المعترض خالف التعليمات، ولم يحافظ على الدوام ولدى عطف النظر على العقوبة وجد إنها شديدة وغير متناسبة مع المخالفة، ولا يشوب تقدير العقوبة غلو، إذ أن العقوبة غاية في ذاتها، وإن المعترض كان مريضاً مما يوجه الرأفة به ولما تقدم قرر المجلس تخفيضها ومعاقبته بعقوبة التوبيخ)( ). وبالتأمل بما ورد بقرارات المحكمة أعلاه نلاحظ بأنها قد اشتقت من نفس المبررات التي اتخذتها المحكمة الإدارية العليا في أحكامها
ومما يدل على أمكانية تطوير تلك المبادئ كونها ضمانات أساسية للموظف أمام الإدارة، والفارق برأينا هي المسافة الزمنية بين القضائيين واستقرارهما، واليوم برأينا قد زالت تلك المسألة وأصبح مجلس الدولة في العراق مستقل وحامي الحقوق، ونلتمس في قراراته إعلان تلك المبادئ كدليل حماية للموظف وأسرته، وأيضا للعاملين في مجال القانون والمشتركين في رئاسة وعضوية اللجان التحقيقية لإزالة الغموض والتزام بما ورد من مبادئ قانونية عند تقدير وفرض العقوبة.

الخاتمة
في ختام البحث، فلا يسعنا إلا أن نسجل التوصيات التي انبثقت عن دراستنا للتطبيقات القضائية في ميدان المخالفات الوظيفية والعقوبات المقررة لها وكالآتي:
1- ضرورة أعداد ونشر محكمة قضاء الموظفين في العراق ظروف تشديد وتخفيف العقوبات الانضباطية المفروضة على الموظفين لما له من أهمية في ذلك؛ ليتسر على اللجان التحقيقية الاطلاع علية والتقدير مع ما يتفق وظروف وملابسات الواقعة.
2- نلتمس من محكمة قضاء الموظفين تطوير مفردات الصياغة القانونية بشكل صريح وفني وتفصيلي في ميدان القضاء الوظيفي يناقش الأفعال ويقف عند الأسباب ويدلي بمنح المبررات اللازمة لذلك ليتمكن لنا أن نرى سلطة القاضي الإداري وقناعته حول تحليل وتكييف فعل الموظف وما إذا كانت الإدارة قد تعسفت في فرض العقوبة من عدمه مع توظيفها لتلك الظروف في أحكامها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى