أحوال عربية

سفارة أمريكية في شمال شرقي سورية

سفارة أمريكية في شمال شرقي سورية

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

اليوم تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على موطئ قدم لها في سورية لمواصلة أهدافها، وسورية دولة غنية بالثروات وتمثل موقعاً مهماً في الخارطة الجيو سياسية، ولا يخفى على أحد الأطماع الإستعمارية هناك، ولهذا يتحرك الأمريكان والصهاينة وحلفاؤهم لفرض الهيمنة عليها، وكذلك خلق مبررات وذرائع من شأنها تهيئة الأرضية المناسبة لتحقيق مبتغاها، وبالمقابل رأت إسرائيل التي ظلت مرفوضة من الدول السورية، فرصة في الحصول على منفعة من هذه الحرب، واعتراف رسمي من حلفاؤها.

منذ اليوم الأول للحرب على سورية والجميع يدرك جيداً أن أمريكا هي من تقود هذه الحرب على سورية، وهي من تخطط وتنفذ عبر أدواتها المعروفه بـ “قوات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية” وفي الاتجاه الآخر يصور الأمريكان أنهم أتوا إلى سورية من أجل مساعدة السوريين وتخليصهم من خطر الإرهاب، وهم في نفس الوقت من استباحوا دماء الشعب السوري ودمروا ونشروا الخراب في سورية من خلال الإعتماد على سياسة الكيل بمكيالين، ففي اعتقادي أن المارنز الأمريكي لم يأت لسورية إلا من اجل إعادة الشرعية الاستعمارية الأمريكية والصهيونية، والعمل على صنع قواعد لها في هذا البلد.

لم تهدأ الحدود السورية العراقية منذ سنوات، ولا تزال التجاوزات الأمريكية مستمرة في المنطقة، حيث جدّد الجيش الأمريكي اختراقه للحدود السورية العراقية برتل من شاحنات المعدات اللوجستية التي أدخلها، لتعزيز قواعده اللاشرعية في حقول النفط السوري، وإنشاء ميليشيات تشكّل درعاً واقياً له.

في إجراء غير مسبوق، أقدمت السفارة الأمريكية في العاصمة السورية دمشق على تغيير اسمها عبر صفحاتها ومنصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح “السفارة الأميركية في سورية” بدلاً من “السفارة الأميركية في دمشق” ضمن تطور مفاجئ وغير متوقع.

وعلى الطرف الأخر، تزداد الأحاديث والأقاويل عن نية الولايات المتحدة بفتح سفارة لها ضمن مناطق احتلالها في سورية (شمال شرقي سورية، وبالتحديد على أراض تستحوذ عليها الإدارة الذاتية الكردية أو شمال سورية حيث مواقع المعارضة)، وذلك لتحقيق مجموعة من الأهداف منها انتقال امريكا من خلالها للاعتراف بممثل شرعي للشعب السوري كما فعلت سابقاً مع الائتلاف في مناطق احتلالها والقصد من ذلك هو الضغط على الدولة السورية وحلفائها وتجريد دمشق من دورها، وبالتالي تقسيم المنطقة واضعاف دولها والقضاء على جيوشها خدمة وحماية لإسرائيل، والمحصلة إسقاط الدولة السورية والسيطرة على النفط وتحقيق أمن إسرائيل بشتى الطرق.

في الوقت ذاته، لا تخفي الجهات المعارضة التابعة للنفوذ التركي خشيتها من فتح السفارة ضمن الأراضي التابعة للإدارة الذاتية الكردية، وهو بلا شك سيعطي للأحزاب الكردية والفريق الانفصالي شرعية، وهذا ما تخشاه تركيا أيضاً.

ويظهر ذلك بوضوح في الوقت الحاضر من خلال تتدخل الولايات المتحدة في شؤون سورية الداخلية من خلال خلق مناخ يسوده التوتر والاحتقان والعمل على تحويلها الى صراعات ملتهبة ومستمرة تهدد أمن سورية والمنطقة العربية ككل، فهي تسعى دعم أدواتها التي تعمل تحت قيادتها كونها لا تريد للشعب السوري أن يقرر من يحكمه ولا تريده يبني علاقته بنفسه وبالكيفية التي يراها ويستفيد من إمكانياته، لذلك من أولويات السياسة الأمريكية تحويل سورية إلى حليف دائم للغرب وتعزيز النفوذ الأمريكي والسياسات الموالية له في سورية.

بالمقابل، إن الارهاصات في الجنوب السوري ترتبط بهذه المشاريع، ومن هذا المنطلق، نستطيع تفسير ما يجري من أحداث تحصل مؤخراً في السويداء، هي عبارة عن سيناريو معد بحرفية كاملة من قبل أمريكا وحلفاؤها و الهدف من ورائها هو إقناع المجتمع الدولي والعالم أن لا حل إلا بتقسيم سورية، وهو المخطط الذي دافعت عنه وما تزال بشكل مستمر. فإسرائيل والولايات المتحدة لديهما هدف مشترك في الجنوب السوري هو إقامة حزام أمني في الجولان وتمرير مشروع لإقليم إنفصالي في السويداء و إشغال الجيش السوري وحلفائه وحرف أنظارهم عن تطورات هامة تحصل شمال شرق سورية، ومن هنا فإن الهدف الأساسي من تحريك الولايات المتحدة لأدواتها هو تعطيل سورية وإنشغالها بحدودها التي تشتعل كل يوم، والبعض يسعى لنقل الصراع إلى مدن أخرى حتى يجعل المنطقة ساخنة ومتوترة.

بالتالي إن التفكير الأمريكي بفتح سفارة للولايات المتحدة في المناطق تحتلها في سورية ليس في صالح سورية ولا في صالح مستقبلها، بل إنه قد يؤدى إلى عواقب كارثية، أهمها تعميق الانقسام بين أبناء الشعب وتعزيز الفوضى الخلاقة، ما قد يؤدي إلى تشجيع النزعات الانفصالية وظهور دول متعددة جديدة.

قد يكون هذا السيناريو متشائم جدا، ومن الصعب تحقيقه، ولكن الاكيد أن الولايات المتحدة تبحث عن حالة اختراق متقدمة في المسار السوري.

مرة اخرى، يتأكد خطأ الحسابات الأمريكية ومخيلة زعيمها المغامر بايدن في ابتلاع بلد بكبر سورية وتركيع شعب بكبرياء السوريين، وبالتالي إن الدور السلبي للسياسة الامريكية في سورية، لم ولن يكون في صالحها.

بإختصار شديد… إن سورية ستبقى صامدة بوجه الإرهاب الدولي والإقليمي من جهة، وبوجه الإرهابيين والقتلة من جهة ثانية مهما طال أمد الازمة، وستظل سورية دائماً رغم أنف كل حاقد أو حاسد، بالتالي فأن من مصلحة الجميع أن تنهض سورية وتتعافى كي تمارس دورها التاريخي في حفظ الأمن القومي وإحباط كل المخططات التي تستهدف تفكيك دول المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى