احصاءات الانتحار
انور الموسوي
مهندس كاتب وصحفي
• لتكون الرسالة الواضحة لنا جميعا هو أننا يجب أن نتعامل بجدية وخطورة مع كل من يعبر عن رغبته في إنهاء حياته تصريحا أو تلميحا فنحن لسنا بصدد قضية فلسفية عن حق الحياة واختيارها من عدمه أو جدل حقوقي عن حرية الإنسان في إنهاء حياته، نحن بصدد حالة مرضية نعتبرها نحن الأطباء النفسيين حالة طوارئ تستدعي وضع المريض تحت الملاحظة اللصيقة بما نسميه ملاحظة (واحد لواحد) , ولا يوجد لدينا استثناء لمن يعتبرهم الناس غير جادين أو يسعون لجذب الانتباه, لا مجال للسخرية أو الاستهزاء أو الهجوم أو التقريع لهذا المريض خاصة بطريقة الاستخفاف بأعراضه أو معاناته, وإيعازها لضعف شخصيته أو ضعف إيمانه وعدم قيامه بواجباته الدينية وبعده عن الله.. هذه الطريقة في التعامل تقتل المريض فعليا وتدفعه إلى الانتحار دفعا سريعا لأن ترجمتها لديه تقول طالما أنا ضعيف الشخصية ضعيف الإيمان فلا أمل في علاجي وقد خسرت الدنيا والآخرة فلأعجل بإنهاء حياتي حيث لا طائل من الاستمرار فيها. المصدر / دكتور عمرو أبو خليل.
كما يضيف الدكتور عمرو أبو خليل من خلال مقالته، المنشورة في مدونات الجزيرة، أن الانتحار هو عرض لمرض نفسي شديد هو الإكتاب الجسيم، إن المكتئب أصلا يكون مثقل بإحساس زائد من الشعور بالذنب تجاه كل شيء في حياته فهو لا يحتاج إلى سبب جديد لهذا الإحساس، وبالتالي فإن توجيهنا له كأصدقاء أو معارف أو أهل بأن سبب اكتئابه هو بعده عن الله لن يساعده لأنه في الحقيقة عاجز عن أداء أي نشاط ديني في هذه المرحلة فنحن نفاقم شعوره بالذنب من حيث نتخيل أننا نساعده. ليصبح الحديث عن المنتحر الذي فقد أخرته ومات كافرا لا مجال له، لأننا نتحدث عن مريض لم تقدم له المساعدة المطلوبة في الوقت المناسب فوصل لهذه المرحلة التي لم يكن أمامه من وجهة نظره المرضية إلا أن ينهي حياته. إن الأصبع الذي يتجه بالإدانة للمنتحر تتوجه معه أربع أصابع إلينا وإلى المجتمع لأننا لم نكتشفه ونساعده وننقذه.
وعلى صعيد متصل أجاب الدكتور فارس كمال نظمي الأخصائي في علم نفس الاجتماع وسيكولوجيا علم النفس السياسي، من خلال سؤال موجه لجنابه الكريم حول الانتحار بما يلي: توجد دوافع مرضية للانتحار، فالاكتئاب كحالة مرضية أحد اهم أسباب الانتحار، ولكن توجد أيضا تفسيرات أخرى لا تدخل في خانة باب الأمراض النفسية، وأضاف الدكتور نظمي بان الانتحار موضوع شائك وعميق، لا يتسع المجال لذكره بكل التفاصيل، إذ له تفسيرات وأسباب ودوافع متعددة، ومتشعبة، كمال له تعريفات متنوعة.
على الرغم من أن العلاقة بين الانتحار والاضطرابات النفسية (خاصة الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي الكحول) معلومة تماما في البلدان المرتفعة الدخل، إلا أن هناك العديد من حالات الانتحار التي تحدث فجأة في لحظات الأزمة نتيجة انهيار القدرة على التعامل مع ضغوط الحياة، مثل المشاكل المالية، أو انهيار علاقة ما أو غيرها من الألآم والأمراض المزمنة.
بالإضافة إلى ذلك، تقترن النزاعات والكوارث والعنف وسوء المعاملة أو الفقدان والشعور بالعزلة بقوة بالسلوك الانتحاري. وترتفع معدلات الانتحار كذلك بين الفئات المستضعفة التي تعاني من التمييز مثل اللاجئين والمهاجرين؛ والشعوب الأصلية؛ والسحاقيات والمثليين، والمخنثين والمتحولين جنسيا، وثنائيي الجنس؛ والسجناء. وتعتبر محاولة الانتحار السابقة أقوى عامل خطر للانتحار.
• وتذكر دراسات وبحوث تتعلق بالجانب الإلكتروني، وتأثيراتها على حالات الاكتئاب والتسبب بالانتحار فقد أفادت دراسة أميركية حديثة بأن قضاء المراهقين أوقاتا طويلة أمام الشاشات بأنواعها من حاسوب إلى أجهزة هواتف ذكية، قد يسهم في زيادة أعراض الاكتئاب والميل إلى الانتحار، خاصة لدى الفتيات.
ووجد الباحثون أن 48% من المراهقين الذين أمضوا خمس ساعات فأكثر يوميًا أمام الأجهزة الإلكترونية أفادوا بأنهم فكروا في الانتحار مرة واحدة على الأقل، مقابل 28% فقط ممن أمضوا أقل من ساعة في اليوم على هذه الأجهزة.
ووجد فريق البحث أن معدل انتحار الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 13 و18 عاما زاد بنسبة 65% بين عامي 2010 و2015.
كما زاد عدد الفتيات اللواتي يعانين من الميل إلى التفكير في الانتحار أو محاولة الانتحار بنسبة 12%، بينما ارتفع عدد الفتيات المراهقات اللائي أبلغن عن أعراض الاكتئاب الحاد بنسبة 58% خلال تلك الفترة.
وكانت أعراض الاكتئاب أكثر شيوعا بين المراهقين الذين أمضوا الكثير من الوقت على أجهزتهم الإلكترونية.
وقال الباحثون إن نتائج الدراسة تتوافق مع الدراسات السابقة التي ربطت بين قضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي وبين الإصابة بالتعاسة والاكتئاب.
ومن جانب متصل ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية في تضاعف حالات الانتحار لدى النساء، حيث يرى خبراء أن هذا الارتفاع في معدلات الانتحار قد يرجع إلى زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومتطلبات صورة الجسد المثالي التي يتم تقديمه فيها، وثقافة السيلفي التي أصبحت شائعة. وهذا يعني أن النساء أمام ضغوط نفسية لمجاراة الصورة غير المنطقية للجسد المثالي الذي يقدمه نجوم التواصل الاجتماعي، مما قد يدفعهن للاكتئاب والانتحار لاحقا.
وبعد كل هذه المعطيات العلمية، والبحثية، وجانب الاختلاف بطبيعة كل دولة وظروفها، وبيئتها، وتأثر شعبها بتلك الظروف، فلكل منطقة، ووضع أسبابه الخاصة في استفحال هذه الظاهرة. لذا ومن جانب الاستنتاج لما خلصنا من معطيات أضع بعض التوصيات لمعالجة هذه الظاهرة المؤسفة.
توصيات:
1- مجابهة المحظورات والإفصاح وطلب المساعدة، علينا جميعا نكسر حاجز الخوف من هذا الأمر ونصرح به بمجرد حصوله كفكرة بالذهن، ونطلب المساعدة، وعلى الأصدقاء، والمقربين حمل الأمر على جانب عظيم من الأهمية، وعدم إهماله، وتقديم كل الوسائل الممكنة للمساعدة، والأمر هنا يبدأ اجتماعيا بالدرجة الأولى، وينتهي طبيا بالدرجة الثانية، فكلنا مسؤولون في تقديم المساعدة والإرشاد، والتبني لمثل هذه الحالة الخطرة، ولا يوجد عذر يبرر ذلك.
2- التثقيف للابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديد أوقات معينة لها. خاصة لفئة المراهقين.
3- افضل الحالات في البيئات المغلقة, والمناطق المنكفئة على نفسها, المحتفظة بالأعراف, والتقاليد, هي عدم إقحامها, بتكنلوجيا العولمة, وعدم تثقيفها, أو إعطاء جرعات ثقافية لها فوق مستوى الواقع الذي تعيشه تلك الأسرة, أو ذلك المجتمع في تلك المنطقة, لان ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية, بعيدة عن فهم الحرية, أو فهم المستوى الثقافي, ولا يؤدي إلى رفع من مستواهم, بقدر ما يؤدي إلى اصطدام المثل المعروضة أمامهم مع الواقع المعاش, إذ لا يمكن أن ينسجموا مع تلك المثل, أو يسايروها, كما لا يمكن أن يرفضوها, لأنها واقعا, هي حقيقة مطلوبة, ومن ضمن المفردات الحياتية التي يحتاجونها, ومن هنا يبدأ الصراع الذاتي, بين الواقع المغلق, والمثل المعروضة, بين ما يريده الفرد, وبين ما هو ممنوع عنه, هذا الصراع يتبلور ذاتيا, في داخل الشخص, ويكون غير معلن, يحاول أن يجد له منفذا من خلال ازدواجية الشخصية, والتي تتجسد بتكوين شخصية ثانية تتلاءم مع تلك الثقافات, وتلك العادات من خلال اسم مزيف, أو صفحة وهمية,او ممارسة شيء خارج السياق البيئي من خلال السفر لأماكن توفر تلك الحريات, لممارسة الانفتاح المعروض على تلك الشخصية, فتتشكل شخصيتان, الشخصية الحقيقة أمام المجتمع المقيد, وهي الشخصية الملتزمة بالأعراف والتقاليد, والشخصية الثانية المتحررة المتمثلة بالشخصية الوهمية, من خلال الاسم المزيف والصفحة المزيفة, أو الشخصية الباحثة من خلال السفر عن ما ينسجم مع ما تريد! لممارسة تلك المثل المعروضة عليها، وبالتالي، سيؤدي هذا إلى تضارب وصراع لتلك الشخصيتين بداخل الفرد الواحد، لعدم القدرة على الإفصاح بما يريده، وكذلك عدم القدرة بالتخلي عن تلك الثقافة، أو الممارسة أو هذه الرغبات الملحة، فينتج من ذلك الصراع حرب داخلية، ستنفجر في لحظة ياس، أو موقف يحفزها على الانفجار، مما يحولها إلى حالة انتحار، في تلك البيئات، والمناطق ذات التوجه المنغلق، لا يجب أن تعرض عليهم كل ما يتصدر هذا العالم من تحولات أو عولمة، أو ثقافة، أو تحرر. بمعنى أخر، يجب أن لا يقرؤوا كل شيء، وان لا يسمعوا كل شيء، وان لا يعرفوا كل شيء، وتكون الأمور لديهم ضمن حدود بسيطة، (ففي بعض الحالات الجهل يكون أفضل من الانحدار الخلقي)، للمحافظة على عدم ارتدادهم بصورة سلبية على الواقع، وممارسة الحرية بجانب مغلوط، والذي يؤدي إلى الكثير من المشاكل غير الانتحار، منها، (النفاق والازدواجية، العنف الأسري، الإدمان على الكحول، تعاطي المخدرات، زنا المحارم. الابتعاد عن القيم الأخلاقية والدينية) إن ما نذكره ليس هو السبب الوحيد لهذه الحالات لكن هو السبب الذي تركزت عليه الملاحظات فقط.
4- ثقافة الأسرة وثقافة المجتمع: من اهم بوادر الإنسان السليم هي الثقافة التي تحملها الأسرة، من خلال اهم مرتكزين في نظري وسأدع باقي المرتكزات على جنب.
المرتكز الأول: المثال الصحيح، عندما يمثل الآباء المثال الصحيح أمام أسرته والمتسم بالصدق، والوضوح والأمانة، والالتزام، وعدم الازدواجية والنفاق، سيكون مثالا واعيا، ويقتدى به من قبل باقي أفراد الأسرة، ويحترم رايه.
المرتكز الثاني:
التفاهم والوضوح والصراحة، بمعية الاهتمام، تلك من اهم الشروط الأساسية، لتجنب أي حالات غير مسيطر عليها تقود إلى أمراض نفسية خطرة، أو إلى انتحار.
من جانب أخر فالمجتمع يؤثر بدور كبير، في صناعة الشخصية، ومضاعفاتها، لذلك الشخصية التي تحمل وعيا، وتفوق إدراكاتها طبيعة المجتمع المغلق، عليها من الضرورة أن تبتعد عن الاحتكاك بذلك المجتمع، وأيضا لا تفكر بالتأثير به، أو مساعدته، لما تكون البيئة مغلقة تاريخيا، وغير قابلة، للانفتاح الإيجابي، أو ليس من الممكن، إحداث تغيير ثقافي جذري فيها، من الأصلح أن يبتعد ذوي الوعي، والأفكار المغايرة عن ذلك المجتمع، لسببين:
الأول: سيؤدي إلى حصول نتائج عكسية في بنية ذلك المجتمع وكما تطرقنا اليها في النقطة الثالثة.
الثاني: سوف لن يتعاطف المجتمع مع الفكر، أو حامل الثقافة، أو صاحب الرأي، بل من ناحية انهم جميعهم سيمارسون ما يقوله لكن بصورة سرية، سيجتمعون على رأي محصلته، نبذ هذه الشخصية، وتهميشها، ماديا، ومعنويا، لذلك حملة الرسالات الإنسانية من الخطر جدا عليهم وعلى المجتمع، أن يظنوا انهم يحملون رسالتهم، بكل ما يعرفون، أو بكل ما يحصل في العالم المتحضر، ويعلونها أمام الجميع في تلك البيئة المغلقة، فنتائجها عكسية، للطرفين.
5- الدناءة، والابتذال، بين كل هذا وذاك توجد دناءة، وأطراف مبتذلة، مخالفة للذوق، وللأخلاق، وللقيم الدينية، تمارس حالات الابتزاز، والمساومة، والضغط، على الضحايا الذي يقعون فريسة تحت أيديهم، من خلال تمثيل القيم وبحجة الثقافة والتحرر، من حيث هم لصوص وعصابات منظمة أو غير منظمة وبعيدين عما تطلبه المسيرة الإنسانية من خير للبشر، هؤلاء هم مرضى نفسين، ومجرمين تشكلوا بهيئة أفراد أو جماعات، للإطاحة باي ضحية تقع تحت أيديهم، بعض من هؤلاء هم نتيجة النقطة الثالثة السابقة الذكر, والبعض الآخر تكونوا نتيجة ظروف أخرى لا تتعدى أيضا ظروف الأسرة المفككة, أو المجتمع الذي صنعهم.
6- منح حرية أكبر لأفراد المجتمع، نساء ورجالا، والإفصاح عما في داخلهم، بصورة علنية، كي لا نضطر لجرهم للإفصاح بصورة سرية، وبأماكن مغلقة، وهذه مسؤولية الأهل أولا، وثانيا مسؤولية الصديق الأمين المقرب.
7- توفير كل مستلزمات الترفيه، والمحمية بواسطة القانون…
8- ممارسة الرياضة لكل من الجنسين الذكر والأنثى.
هذه بعض التوصيات البسيطة ولا يخفى على الجميع أن هناك أسباب، وملاحظات، وعوامل أخرى هي كثيرة، ومؤثرة في الوصول إلى مثل حالات المرض النفسي، أو حالات الانتحار.
أنور الموسوي