أحوال عربيةأخبارأخبار العالمأمن وإستراتيجية

كيف سترد أمريكا بعد قتل جنودها

د. محمود عباس

قتل 3 جنود أمريكيين وجرح أكثر من 25 آخرين اليوم، وبعض المصادر تقول 34، من قبل أذرع إيران في سوريا والعراق، عملية فتحت أبواب التوقعات حول توسع جبهة الصراع في المنطقة، والمستند على احتمالات الرد الأمريكي، والتي بلغت سويتها من بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري إلى درجة الطلب بقصف إيران مباشرة، بل وحتى طهران ذاتها. والمقترحات المطروحة على طاولة البحث ذات وجهين:

1-    البنتاغون تطالب برد فعل قوي على إيران قبل ميليشياتها، وتجاوز مبدأ عدم المبالاة بالهجمات التي بلغت 159 منذ بدأ عملية طوفان الأقصى والرد الإسرائيلي، وقد صرح بعض قادة البنتاغون، ومن بينهم متقاعدون (وهم أصحاب الإستراتيجية القديمة حيث استخدام القوة المدمرة الرادعة، تسايرهم منهجية الحزب الجمهوري عندما لا يكونون في البيت الأبيض) على أن الردود العسكرية السياسية الناعمة لم تعد تجدي نفعا، بل السياسة الرخوة فتحت الأبواب للإرهابيين بالمرور والتعرض لقواتنا، وضرب مصالحنا في المنطقة، ونوهوا على أن هذه العمليات في المستقبل ستصل إلى الداخل الأمريكي. قدمت هذه الرؤية والاقتراح لإدارة البيت الأبيض بعد ساعات من قتل الجنود، ولا شك الحلفاء ودول المنطقة وبشكل خاص إيران وأدواته ينتظرون رد الفعل من إدارة بايدن، والتي فيما لو تخلت عن استخدام قوتها كما قدمتها البنتاغون ستؤثر سلبا على استراتيجيتها الطويلة المدى في الشرق الأوسط.

2-    إدارة البيت الأبيض لا تزال تدرس داخليا ومع دول الحلفاء طريقة وسوية الرد، رغم التصريح القوي الصادر من الرئيس جو بايدن مباشرة، حول العملية التي زادت من مشاكل الإدارة في هذه الفترة التي تواجه فيها إشكاليات داخلية كبيرة، منها الصراع المتصاعد ما بين ولاية تكساس وواشنطن، أي عمليا بين منهجية الحزب الجمهوري والديمقراطي، حتى ولو أنها تدرس كخلافات دستورية، أي ما بين السلطة الفيدرالية والولاية حول الحدود وقضية المهاجرين، والتي بلغت درجة المواجهة العسكرية خاصة بعدما أيدت تكساس قرابة 25 ولاية، كما وأن الإدارة قد بدأت مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية، أمام منافس قوي يتهم الإدارة الحالية بالضعف والتزوير الانتخابي.

 وفي الحالتين فإن العملية التي طالت القاعدة الأمريكية، أو ربما برج للاتصالات رقم 22 أو ما تسمى بقاعدة الركبان، وهي في البعد العسكري تابعة لقاعدة تنف الموجودة في سوريا مع حدود الأردن والعراق، بالمسيرات من قبل أدوات إيران في بادية سوريا ومنطقة الأنبار العراقية، رغم ما صدر من البنتاغون على أن جنودها قتلوا داخل الأردن، والحكومة الأردنية نفت أن تكون ضمن أراضيها، تبين على أن الأدوات الإيرانية أستملت أوامر بتصعيد سوية هجماتها خارج العراق وذلك على خلفية الصراع الداخلي بين القوى السياسية العراقية حول مطالبة أمريكا بسحب قواتها، وفي البعد العسكري تمت العملية على خلفية القصف الأمريكي لقواعد الحوثيين، ودعم لأطراف الحكومة العراقية المطالبة من أمريكا بالانسحاب العسكري من أراضيها، قبل أن يكون رد على ما يجري في قطاع غزة، وكما هو معروف إن الانسحاب الأمريكي من المنطقة هي الغاية الرئيسة التي تشترك فيها كل من روسيا وتركيا وإيران، رغم اختلاف مصالحهم منه.

 والسؤال الخطير هنا:

1-    هل إدارة جو بايدن ستقوم برد فعل سلبي وتنسحب من العراق وسوريا، وستبين على أن مصالحها لم تعد بذات الأهمية في المنطقة ولا تحتاج إلى وجود قواتها هناك؟ وستتبنى استراتيجية مختلفة مع القوى المعادية لها في الشرق الأوسط؟ وهو ما قام به باراك أوباما وفشل، ودفع بأمريكا أن تتحول إلى دولة رخوة أو ضعيفة أمام روسيا والصين وفي مواجهة إيران وتركيا طوال العقدين الأخيرين، وبها خسرت الكثير من مصالحها في المنطقة، وهذه ستكون تتمة لتلك المسيرة الرخوة، وبها ستفتح الأبواب لإيران بالتعرض لأمن إسرائيل، كما وستتحكم بكل سوريا، وقد تؤثر سلبا على جنوب وغرب كوردستان، الإدارتين الكورديتين اللتين تتحين تركيا وإيران لأبسط الفرص للتعرض لهما، كما وتعني القضاء على القوى المعادية لنظام بشار الأسد، وعلى الأرجح ستشترك فيها تركيا وروسيا، حتى ولو أن لروسيا استراتيجية مختلفة في المنطقة قد تتصادم مع الإستراتيجية الإيرانية مستقبلا.

2-    أم ستزيد من قواتها لتبين لقوى المواجهة على أنها لن تنسحب وهذا يتوجب رد فعل قوي، ليس فقط ضد أدوات إيران، بل وعلى إيران ذاتها؟ وعلى الأرجح إن تم تبني هذه الخطة، سيكون رد الفعل قريبا؛ أي أيام وليست أسابيع، وهذه ستزيد من الدعم الأمريكي للإدارتين في جنوب وغرب كوردستان، لكونهما أوثق الحلفاء في المنطقة.

3-     في الحالة الثانية، هل ستحصل على دعم من دول التحالف وتكون قد فتحت جبهة ثالثة، بعد الجبهة الأوكرانية والإسرائيلية مع حركة حماس، علما أن هذه جبهة متعددة الجغرافيات، وتحتاج إلى دعم من القوى الإقليمية؟ وكما تبين في العقدين الأخيرين أمريكا لم تعد تقحم قواتها في حروبها كإمبراطورية، بل تعتمد على القوى المحلية، وبدعم من قواتها الجوية ومستشارين وغيرهم.

4-    هل ستتمكن إدارة جو بايدن من إقناع تركيا بالوقوف إلى جانبها، وتعني تنازلها لمطالب أردوغان المتعددة؟ وهي الدولة الثانية في الناتو، وقد تحاول أمريكا أن تقحم الناتو كمنظمة في الصراع مع إيران وروسيا في الشرق الأوسط فيما لو انتشرت بؤر الحرب في المنطقة.

5-    هل توسع الصراع في المنطقة في الفترة التي لا تزال إسرائيل في حرب مع حركة حماس، وحرب روسيا وأوكرانيا، ستكون من صالح إسرائيل وأمريكا ودول التحالف، أم لصالح أعدائهم وهو ما يدرس بشكل مستمر في البيت الأبيض؟ وكما نعلم أن أمريكا ورغم حشد قواتها الهائلة في البحار المحيطة بالشرق الأوسط كانت ترجح عدم توسع الحرب، علما أنها في السابق كانت تريد جر إيران إلى حرب مباشرة.

الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل خاص إدارة جو بايدن الأن أمام إشكالية حساسة أمام الداخل الأمريكي قبل أن تكون مع القوى الحليفة في المنطقة، وحيث مصالحها، ومحاربة داعش، وغيرها من المسائل التي تفرض وجودها العسكري في كل من سوريا والعراق. وهذه تتطلب منها الرد على سوية إمبراطورية عسكرية اقتصادية، قبل أن تكون سياسية-دبلوماسية، لئلا تخسر الحملة الانتخابية أمام دونالد ترمب كصراع داخلي، والكثير من مكانتها كقطب متفوق كصراع دولي، وإلا فستخسره في فترة أقصر مما هو متوقع ليس أمام الصين وروسيا بل أمام دول إقليمية كإيران وتركيا، القضية التي يدركها إستراتيجييها بدقة، وهو ما تؤدي إلى خلافات ما بين البنتاغون ومعهم الجمهوريون ووزارة الخارجية والبيت الأبيض أحيانا، وهو ما حدث في فترة باراك أوباما، ودونالد ترامب والتي أدت في عملية سحب القوات من سوريا إلى استقالة وزير دفاع الأخير بعد يوم من القرار، وتم التراجع عنه فيما بعد، ولا يستبعد أن تكون إدارة جو بايدن على نفس المنهجية، خاصة في المرحلة الانتخابية الجارية، والتي جاءت هذه العملية كهدية للجمهوريين، فقد أصبح من المعروف أن المراحل الثلاث الأخيرة تعتبر من أضعف المراحل في التاريخ الأمريكي السياسي-العسكري، وهي التي خسرتها الكثير من مكانتها كإمبراطورية، ومصالحها كقوة رأسمالية في المستقبل حتى ولو كانت لفترة قد تمتد لعقود طويلة، على خلفية ثقل وقوة شركاتها الرأسمالية الهائلة وتشعبها الاقتصادي الرهيب في العالم.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى