اثبات وجود الله بالرياضيات
عمر عبدالعزيز الحباشنة
الرياضيات هي لغه الله .. هذه الخلاصة التي تبدو متمرده على توصيف الاله ستبدو نتيجة طبيعية و لاضير في الحديث عنها عند من يمارس أو من تعلَّم الرياضيات في يومٍ من الأيام، و من يعرف الرياضيات يعرف أنَّ كل شيء في هذا الكون يتصرف بحكمة الرياضيات و كنهها و أنَّ كل شيء محكوم بالرياضيات من حركة الكواكب إلى الحسابات في المعادلات الكيميائية إلى القوانين الفيزيائية حتى الشعر في اللغة تحكمة متوالية رياضية تحفظ له النغم بما يسمى بحور الشعر.
فعلينا أن نتيقن أنَّ العدد و حفظ الكميات هي من يحكم هذا الكون و هذا ما آمن به الفيلسوف العظيم فيثاغورس عندما قال “إنَّ الكون يحكمه التآلف بين تمازج العدد و النغم”، و أظن أنَّه كان يعني بالعدد المنطق و النغم الروح التي تختفي وراء هذه الأعداد و تسيِّرها الأعداد و تبدعها طبيعة المادة في طرحها كلون لا معنى له لغوي إلَّا أنَّه مباشر في تحريك جزء من وجودنا و هو الشعور و الإحساس، حتى في العلوم المجرده مثل الفيزياء و الكيمياء و الأحياء فقد سبقت الرياضيات بوضع معادلات تبدو في زمانها لا تطبيق لها في الحياة العمليه و لكنها في ما بعد أظهرت أنَّها تتصرف بناحية من نواحي هذا الوجود الممتد المعقد و تشرح تفاصيله بدقة متناهيه، و لعل من عملوا على علم التفاضل و التكامل في بداياته لم يتوقَّعوا المدى الممتد بين العلوم لهذا العلم الراقي في تفاصيله و المبسط لكثير من المسائل في طرحه.
أيضاً لا شكَّ أنَّا عندما نتحدث عن الرياضيات سنتحدث عن العالم المشهور غاليليو غاللي المشهور بقصته مع الكنيسه و الذي واجه الأخطار المحدقه به منها مؤمناً أشد الإيمان بالعلم و الرياضيات و هو الذي تحدث قبل ما يقارب 400 عام في كتابه (ساجياتوري) عندما قال :” توجد الفلسفة في هذا الكتاب الكبير، كتاب الكون، وهو مفتوح لنا باستمرار. ولكن لا يمكننا فهم الكتاب إذا لم نعرف اللغة التي كتب بها ولم نحاول تعلم الحروف المستخدمة في كتابته. إنه مكتوب بلغة الرياضيات ولغتها هي الدوائر، والمثلثات وأشكالٌ أخرى هندسية، وبدونها فلا يستطيع الإنسان فهم حتى كلمة واحدة من الطبيعة والكون، وبدونها يضل الإنسان في دهليزٍ كبيرٍ مظلم”.
و في الرياضيات أيضاُ نجد المتواليه المشهوره باسم متوالية فيبوناتشي و التي اظهرت النسبة الذهبيه (1.6180339) و هي نسبة للأشياء تحكم أطوالها و أحجامها و كمياتها من بعضها إلى بعض و فد استخدم هذه النسبة روَّاد في العالم مثل دافنتشي في الرجل الفيتروفي و الموناليزا و أيضاً استخدمت في مجال الهندسه من قبل البنائيين لتقديم نموذج متناسق في البناء و الهندسه، و الجدير بالذكر أنَّ هذه النسبة الذهبية و المسماه (فاي) تحكم الكثير من تشكيلات الوجود بداية من الذرة حتى المادة الوراثيه حتى شكل الإنسان و نسبة أطواله لبعضها.
و عند الحديث عن الهندسة و عن الفلاسفة الذين غيروا طريقة التفكير في التعاطي مع العقل و هذا الكون الشاسع فلا بد من ذكر افلاطون و كان افلاطون يكتب على باب مدرسته “هذا المكان لا يدخله إلاَّ العارفين بالهندسه” مؤكداً بذلك و كون الهندسة فرع أصيل من الرياضيات أن هناك تزاوج و انسجام تام بين الفلسفة التي ترنو الي معرفة أصل هذا الكون و الرياضيات.
نستنتج أنَّ للرياضيات شهود من عمالقة الفكر و العلماء تشهد لها بأنها هي الطريق الأمثل في التعامل مع الأشياء و العقل و الكون و برمته،و أذكر انَّ العمل الجاد لم يتوقف عند هذا الحد بل إنَّ هناك قراءه رياضيه تؤكد و تثبت أنَّ لهذا الكون خالق له صفات الكمال قدمها عالم الرياضيات كورت جودل، و كون الرياضيات هي طريقه لفهم الكون فهي ليست بمنأى عن علم النفس فهناك نصيحة عظيمة مفادها أنَّ عليك أن تمارس الحل و الرياضيات بين الحين و الآخر لتحافظ على اتزانك و صحتك النفسيه لما في الرياضيات طريقة للتحليل و عرض المسائل المعقده و تبسيطها ثم حلها بعد عرضها.
و رب سائل يسأل ما الرابط الموضوعي بين الله الذي يحمل صفات الكمال و بين الرياضيات؟ و الجواب أنَّ الرياضيات في طبيعتها حكام يحتكم له كل ما في هذا الكون في تصرفاته فلا شيء يخرج عن مسار الرياضيات و أنَّ الرِّياضيات أصبحت محسوم في أمرها من ناحية التنزه عن الأيدلوجيات و الأديان و الميول النفسيه، فهي تتعامل بشكل تجريدي مع هذا الكون بآلة العقل التي تحركه، و في العلوم عنددراسته قيمة أي شيء يتم تثبيت القيم التي تغير فيه و الثابت الوحيد الذي لا خلاف عليه لدينا هو أنَّ الرياضيات عنصر محايد يدرس كل شيء بما في ذلك أصل و نشأة هذا الكون و ما قبل المادة إن صح التعبير، فالرياضيات إذن مرجع و مسند محايد لإلتقاط الأفكار عبرها و لمعرفة حقيقة كل شيء حتَّى الله في سره لأنها أحد الثوابت الكونية التي نتحرك فيها.
هناك في بعض الشرائع من يظنون أنَّ الإنسان في أصله له خاصية الهيه، و في الدين الإسلامي يظهر ذلك عندما يكون القول بأن الإنسان هو المستأمن و المستخلف في هذا الكون، أن روح الإنسان هي نفخة من روح الله، و في علم الرياضيات الذي لا يعرف المجامله يذهب الكثير في اسقاط الرياضيات على الأحرف و الكلمات و يحاول أن يجد لها تفاسيرها في العلوم المجرده، لدرجة أنَّ أحد أساتذتي ذهب في عدِّ كل أحرف القرآن تقريباً ليتوصل إلى نتائج كونيه و نسب تحكم الكون من المادة المظلمه إلى قوة عنصر الحديد و خصائصه و إلى النسبيه الخاصه و سرعة الضوء.
نعود للعنوان “الرياضيات لغة الله” فهي ليست كما يبدو للوهلة الأولى للقارئ بأنَّها لغة محكية ذات أحرف و كلمات و أفعال و أسماء و هذا خطأ؛ فالأفعال في السماء غير معروفه فلا يوجد ماضي و مضارع و مستقبل لأن مفهوم الزمن مستتر هناك، فلا توجد حركه بناءً على الزمن (فالحركة هي تغير في البعد المكاني عند المرور عبر البعد الزمني) اذن فالحركة في العالم الآخر إذا أمكن لنا أن نستنتج فهي حركة فقط في المكان أو قد ينتهي مفهوم المكان هناك و يحل عالم جديد بأبعاد جديدة و تكوين جديد لا متناهي في الوجود و لا تعريف للزمن فيه؛ لأن الزمن إعلان عن بداية و لكل بداية نهاية، أمَّا المقصود بالتعبير لغة الله فهو أنَّها الطريقه التي يتعامل بها الله مع كونه الذي خلقه.
و لكن لنطرح السؤال التالي : أيهما يتحكم بالآخر الله أم الرياضيات؟ بمعنى آخر هل الله خاضع لقوانين رياضيه؟ سؤال يبدو أنَّه خطير فالعديد من الناس يعتقد بأنَّ الله هو سلطة عليا لا سلطة فوقها و لا شيء يحكمها و أنَّه هو من يحكم ذاته .. و السؤال الآخر هل الله حدد صفاته بإرادة منه أم أنَّها تكونت تكويناً تحكمه الرياضيات؟ و ما هي الإرادة في بُعد الله ؟ و العودة أيضاً إلى الرياضيات .. فهل هي مخلوق من مخلوقات الله أم أنَّها يد الله الثابته الأزليه ؟ هنا نقف لنتأمل السؤال و أكرره “هل هي مخلوق من مخلوقات الله؟ أم أنَّها يد الله الثابته الأزليه و تمثله؟ أم أنَّ الله خاضع لقوانين رياضيه؟” و هناك تتمه للمقال نحاول فيها الإجابة.