أخبار العالمفي الواجهة

عنصرية منهجية ضد المهاجرين في المانيا

رشيد غويلب

اعترفت حكومة المانيا الاتحادية، ولأول مرة، بوجود عنصرية هيكلية في البلاد. وابقت سبل التعامل مع تصنيف الناس على أساس عرقي مفتوحة. تريد الحكومة مكافحة العنصرية، وجعل المتضررين منها في مركز الاهتمام. هذا ما وعدت به أخير، المسؤولة عن ملف مكافحة العنصرية.

ووزيرة الدولة في الحكومة الألمانية ريم العبلي، العراقية الأصل وحفيدة الشهيد الشيوعي المعروف محمد صالح العبلي. جاء ذلك اثناء عرضها في 11 كانون الثاني الفائت، لأول مرة “تقرير عن وضع العنصرية في المانيا” أعدته الحكومة الاتحادية الجديدة. وهناك توجه لإصدار التقرير سنويا، اعتبارا من العام المقبل. وسوف يستند التقرير الى معطيات علمية، مدعومة بتخطيطات بيانية.

قالت وزيرة الدولة ان “مناهضة العنصرية منهجيا ضرورية للديمقراطية”. واعتمدت في تقريرها على نتائج الأبحاث التي نشرها المركز الألماني لبحوث الاندماج والهجرة. وفقًا لدراسة المعهد ان 90 بالمائة من الذين تم سؤالهم عن وجود عنصرية في ألمانيا، اجاب 22 بالمائة، بأنهم تعرضوا لها بشكل مباشر. ومنذ فترة طويلة يجري الحديث عن “العداء للأجانب”. وعلى المرء ان يعرف العنصرية بماهيتها. وذكرت المسؤولة عن ملف مكافحة العنصرية المجموعات المتضررة: اللاجئين والسود والمسلمين واليهود والغجر. وعندما سئلت عن تفاصيل اخرى، اكدت أن العنصرية لا تنحصر في هذه المجاميع حصر، بل ان السلاف والآسيويين يعانون منها أيضًا. وقالت بغموض إجابة على سؤال آخر ان “الفلسطينيين والاكراد يعانون من التمييز أيضا”.

ورحبت المسؤولة الاتحادية المستقلة لمناهضة التمييز فيردا اتمان، بالتقرير الحكومي، ووصفته بانه “إشارة متأخرة ولكنها ضرورية جدا”. ويرى مميت كيليتش، رئيس المجلس الفيدرالي للهجرة والاندماج، الذي يضم ه ممثلي المهاجرين، أن “العرض الموضوعي والنقاش السياسي حول العنصرية الهيكلية والمجتمعية في ألمانيا” إيجابي. وأضاف أن “المعرفة المكتسبة يجب أن تؤدي سريعا إلى إجراءات عملية حتى لا تظل مناهضة العنصرية كلمة طنانة، بل تصبح موقف لكل المجتمع.

ولأول مرة يذكر تقرير حكومي العنصرية الهيكلية الى جانب الكراهية والعنف الملموس.

يقول التقرير إن الأمر يتعلق بالمعرفة والممارسات المتاحة عن العنصرية، التي “أصبحت طبيعية، لدرجة أنه يمكن أن تكون هناك آثار عنصرية غير متعمدة دائمة بالإضافة إلى الآثار المتعمدة”. ويمكن أن يتضح ذلك في التمييز ضد مجموعات سكانية معينة، على سبيل المثال في المدارس والإدارات الحكومية والشرطة. وكمثال تستشهد العبلي بدراسة أجرتها جامعة مانهايم، حيث قام المدرسون باعتبار تصنيف إملاء “” ماكس” الألماني أفضل من نص مماثل لـ “مراد” المنحدر من أصول غير المانية. لكن هذه الحكومة الألمانية ة تجد صعوبة أيضًا في الاعتراف بالعنصرية الهيكلية، على هذا النحو في صفوف الشرطة. لقد اعتبرت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيسر (من الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم) سلوك ضابط الشرطة “غير عنصري”، عندما اقتحمت الشرطة في أيلول الفائت شقة عائلة سورية، لتخلفها عن دفع غرامة، وقال ضابط شرطة مخاطبا الأم: “هذا بلدي وأنت ضيفة هنا”. وتخطط العبلي لتشكيل مجلس خبراء لمكافحة العنصرية. يقوم بوضع تعريف عملي للعنصرية لتسهيل الإجراءات الإدارية، ومن أجل تطوير تدابير مضادة لها.

وبخصوص بتصنيف الناس عرقيا، أي تفتيش الناس، على الأساس المظهر الخارجي، وغيره من ممارسات جهاز الشرطة، أشارت العبلي إلى تغيير مرتقب في قانون الشرطة الاتحادية. وبهذا بتم الالتزام بحظر التمييز. وقالت العبلي: ان “التصنيف العنصري، بموجب القانون الأساس (الدستور الألماني) مخالف للقانون، لكن ما يجب تدقيقه كيف يمكن أن تؤدي الضوابط القانونية الحالية إلى التصنيف العنصري”. في الماضي، أشارت الشرطة الألمانية، مرات عديدة، الى منع تصنيف الناس على أساس عنصري. اما على صعيد الممارسة الملموسة، فالأمر شائع. قبل عشر سنوات، أوصى المعهد الألماني لحقوق الإنسان الحكومة الألمانية بحذف الفقرة 22 من قانون الشرطة، التي تسمح، إيقاف واستجواب وتفتيش أي شخص في القطارات ومحطات القطارات والمطارات. وقد افاد المتضررون من سلوك الشرطة العنصري، أنهم الوحيدون الذين تم تفتيشهم أو نقلهم من القطار. وقد عشت شخصيا ذلك مرة، على الحدود الألمانية – الهولندية، عندما طلبت الشرطة مني ومن مسافر يوناني فقط، ابراز الوثائق الثبوتية، لكون لون شعر كلانا اسود.

وبالملموس أعلنت العبلي، أنها ستدعم المجالس الاستشارية المستقلة، وتدعم المؤسسات المعنية بضحايا العنف العنصري، وتحمي السياسيين المحليين، من أصول اجنبية، بشكل أفضل من العنصرية، وتعزز الإجراءات الاستباقية في أماكن الرياضة الجماهيرية. وأكدت رفع التخصيصات لهذه التدابير، في عام 2023، الى 10 ملايين يورو، بعد ان كانت في العام السابق 8 مليون يورو.

لقد كان أحد الموضوعات الرئيسية، عند عرض التقرير الحكومي، هو النقاش المجتمعي المشحون بالعنصرية لملف الاندماج، على خلفية هجوم مجموعة من الشباب على عمال الإنقاذ ورجال الإطفاء، بعد ليلة رأس السنة الجديدة في العاصمة برلين. وقالت العبلي: لقد “أظهر لي ذلك أنه حتى في عام 2023 لن نتمكن من القيام بمثل هذه النقاشات دون إثارة استياء عنصري. ونحن بحاجة إلى أن نحكم على الجناة من خلال ما يفعلونه، وليس على أساس أسمائهم الأولى”. وبهذا وجهت رسالة الى الاتحاد لديمقراطي المسيحي المعارض، ودعمت وزيرة الداخلية ورفيقتها في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم، عبر اتفاقها مع ما صرحت به الأخيرة: “لا ينبغي توظيف النقاش لأثارة استياء عنصري”. لكن العبلي عارضت تصريح سابق لوزيرة الداخلية، ولأقطاب المعارضة أيضا. لقد قالت وزيرة الداخلية مرة: “يجب علينا وضع لحد لرافضي الاندماج في مدننا: بيد حازمة، ولغة واضحة، ولكن دون اثارة استياء عنصري”. لقد اعتبرت العبلي مثل هذه التصريحات سواء جاءت من التحالف الحكومي، او المعارضة، ” هذا امر خطر، وصفعة المهاجرين في هذه البلاد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى