إسلامتعاليقثقافة

إحساسي وتذوقي للعمل الخيري تغير بواقعة الأمس !!

احمد الحاج
حدث بالأمس أن خرجت مع أحد الأصدقاء والجيران المقربين في جولة مسائية سيرا على الاقدام – بالمناسبة وخارج سياق الموضوع، لو أقيمت بطولة عالمية للمشي “البطيء” فأرجو اعلامي بها فورا مهما كان طول المسافة المقطوعة لأنني أعتقد جازما بأنني سآرجع للعراق بإحدى الميداليات الملونة لأنني وببساطة شديدة ولا ازعم اللياقة والنشاط والرياضة مدمن مشي ..بطيء حتى النخاع !!- .
أقول خرجت بمعية صاحبي وفي طريقنا مررنا بمحل يعمل فيه أحد الكادحين العراقيين أجيرا باليومية للسلام عليه وكانت تجلس بقربه امرأة كبيرة في السن في غاية الحشمة والهيبة والوقار ، شخصيا ظننت لوهلة أنها احدى المتبضعات وقد أضطرت للراحة والجلوس قليلا بعد مشوار طويل في حر الصيف القائظ بحكم سنها الكبير ..
وبعد التحية والسلام والبحث عن شيء نشتريه – مجاملة – قامت المرأة وأخذت تحيي صاحبي وتشكره وتسلم عليه بحرارة وتدعو له باليمن والبركة “، قلت في نفسي لعلها عمته او خالته او جارته، او قريبته من بعيد ” ..الا ان امارات الدهشة والتساؤل والاستغراب التي بدت على وجه صاحبي واعترت ملامحه وانا الخبير بحكم الصداقة الطويلة بيننا بكل ردود افعاله تقريبا وفي شتى الاماكن والمناسبات ، تخبرني بأنه لايعرفها بتاتا ..الا ان المرأة الوقورة واصلت دعاءها له قائلة” كل يوم ادعو لك في صلاتي بالنجاح والموفقية والبركة والرزق والقبول !!” .
هنا سألها بأدب” عفوا حجية ..ولكن لماذا تدعين لي وانت لاتعرفينني ولا اعرفك؟ ” قالت ” الان فقط عرفت من ابني – وتعني به الرجل الكادح الذي يعمل في المحل – بأنك انت الذي كنت تأتيه بطعام الفطور يوميا على مدار شهر رمضان الماضي وانت لاتعرفه ولايعرفك الى المحل الذي يعمل به اجيرا – !
وهكذا تبين لنا فجاة ومن دون مقدمات بأنه وطيلة شهر رمضان وشوال وذي القعدة والحاجة الفاضلة اياها تدعو لصاحبي بظهر الغيب يوميا وهو لايعلم ذلك ببركات الفطور البسيط والجود من الموجود ” تمر ولبن ..شوربة وصمون …كباب عروك وخبز ..كبة حلب وزلاطة ..الخ ” والذي كان يأتي به يوميا من بيته القريب قبيل الفطور الى نجلها الصائم وهو شخص مريض مرضا مزمنا ، وكان صاحبي في اليوم الذي كان يشغله فيه شاغل أو ظرف طارىء يطلب مني أخوية بأن أنوب عنه في إيصال هذا الفطور المنزلي المتواضع الى الموما اليه،وكنت افعل ذلك عن طيب خاطر وبالأخص ان المسافة بيننا قريبة جدا ولن تكلفني جهدا ولا وقتا يذكر !
الحقيقة لقد دهشت أسوة بصاحبي لحماسة وصدق مشاعر وحرارة دعاء المرأة له وهي تكاد ان تبكي متأثرة بعمل خيري عفوي شبه تقليدي – ايام زمان – حيث كانت عادة – الطعمة – الرمضانية معروفة في بغداد بين الجيران والاقارب والخلان والاصدقاء ، حين يتم تبادل الاطباق الرمضانية المختلفة بينهم قبيل الفطور وكانت “طعمة” الجيران تحظى بالاحترام والتقدير العالي على الدوام ولايرد ذلكم الطبق بعد افراغ محتواه الا وهو ملآن بطعام آخر مناظر يرسله المُهدى اليه كرد جميل الى المُهدي ، ولطالما سمعت من يردد ” ان طعمة الجيران ألذ واطعم وأبرك” و ” طعمة رمضان توطد العلاقات الاجتماعية واواصر الود بين الجيران” الا ان هذه العادة الجميلة وذلكم العرف الرحماني الراقي وللاسف الشديد قد تضاءل واضمحل بالتدريح واندثر ولاسيما في المناطق غير الشعبية ، وبما ان صاحبي هذا – بغدادي قح ، مال أول – فلقد حافظ على عاداته وتقاليده التي ادمنها وتربى عليها منذ نعومة اظافره في احياء بغداد القديمة والعريقة والاصيلة الي يومنا هذا وهو يحرص على نقلها معه حيثما حل وارتحل فلم يغادر عاداته بعد ولا اظنه سيفعل …
الحقيقة لم اكن اتصور ان الابن سيخبر والدته الحاجة الوقورة الطيبة بأن احدا ما يأتيه بطعام الفطور يوميا ..ولم اتصور ان الحاجة وبعد اخبارها بالامر ستكثر من الدعاء الصادق بظهر الغيب في رمضان وما بعده يوميا وفي كل صلاة لشخص لاتعرفه لقاء هذا الصنيع الطيب …ولم يتصور صاحبي ان – طعمته – الرمضانية التي تربى عليها عرفا منذ الصغر، وافطار الصائم الذي حث عليه الاسلام العظيم سيكون لهما كل هذا التأثير الاجتماعي الكبير وهذا الاثر الطيب ولو بعد حين ..والسؤال هنا ” اذا كان هذا هو اثر العمل الخيري الفردي البسيط في الدنيا ..فما بالنا بأثر العمل الخيري الجمعي المكثف والكبير والدائم في الدنيا والآخرة ؟! اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى