مجتمعولايات ومراسلون

في وداع الشيخ الفاضل الأستاذ السيرج الحاج أحمد بن محمد.

الأسرة الثورية والتربوية بمتليلي الشعانبة بولاية غرداية

تودع شيخنا الفاضل, مربي الأجيال الأستاذ السيرج الحاج أحمد بن محمد.

رجال النضال والتعليم والمثابرة لأكثر من ثلاثة عقود ونيف بلا إنقطاع عبر بلديات الجنوب الكبير بأولف ادرار ومنه إلى صحراء الشبكة بمتليلي الشعانبة, المنيعة, غرداية وبريان.

وتودع قطب من أقطاب الأمة وعلم من أعلام التربية والتعليم. وقامة من قامات المجتمع برمته, شعلة من النشطاء وفارس من فرسان الحركة الجمعوية في محاربة الأمية والجهل والتخلف.

ومن وسط ملعب الحي قرب مسجد سيدي بلقاسم بالدخلة أقيمت صلاة الجنازة على الفقيد, في جو جنائزي مهيب, بعيون دامعة وقلوب يعتصرها الألم مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبتسليم إلى أمر الله، وحمله على الأكتاف من حالفهم الحظ حضور جنازته وشرف توديعه الأبدي, أمسية الأثنين 27 نوفمبر 2023 شهر الثورة المظفرة وفي يوم تاريخي, على الساعة الرابعة والنصف 16.30 مساءا , بجموع غفيرة من مجاهدين ورفقاء وأعيان المجتمع وأساتذة و زملاء و طلبة ومحبين وأهالي وعائلات وأحبة والوافدين من خارج متليلي وبروع تراب ولاية غرداية, أين شيعت جنازته إلى مثواه الأخير بمقبرة سيد أمحمد الزيغم بمتليلي.

مدخل :

سالوا السراجين من كوكب ومن نسب —- سالوا النفائس من فقه وآدب.

عن عالم صال بالجوزاء صولته —— جم المحامد توالق إلى الآدب.

في بيت عز رأت عينها فيه نورهما —- ودرج الخطو في أرض من الذهب.

وشب في دوحة القرآن مقتبسا —- نور المكارم في قوم من النجب.

ما ضر أحمد أن تنسى مناقبه—- لقد حباه إله الناس بالحسب.

( من قصيدة قبس من سراج. جانفي 2019

للدكتور غزيل بلقاسم ين محمد- بجامعة غرداية)

                      نبذة عن الشيخ الحاج احمد بن محمد السيراج:

هو الشيخ الأستاذ السيرج الحاج أحمد بن محمد بن الزيغم ولأمه رحماني ميمونة, أصيل متليلي الشعانبة من عرش المرابطين أحفاد سيدي محمد الزيغم بحي الدخلة, أصوله الأسرية من عائلة جزائرية عريقة محافظة متدينة ومثقفة من أهل العلم والدين والقرآن معروفة بالمنطقة عامة عن كابر من سلف لخلف، من مواليد سنة 1936 بمدينة ادرار توات, بها نشا, وترعرع بمدينة المنيعة وتفتحه عيناه , تلقى تعليمه الديني القرآني على يد والده الشيخ السيراج محمد بن الزيغم. وفي سن الخامسة 05 من العمر إنتقل به والده رفقة الأسرة كاملة إلى مسقط رأسه مدينة متليلي الشعانبة قلعة الثوار الأشاوس أرض البطولات و الثورات الشعبية , وسرعان ما ألتحق كبقية أقرانه بالمدرسة القرآنية بالمسجد الكبير مواصلة تعليمه القرآني على يد فضيلة الشيخ شريف بكار بن إسماعيل (الطالب سي بكار) بدأ من سورة (ق), ولما وصل إلى سورة مريم إنتقل به والده مرة أخرى إلى مدينة المنيعة أين أتم تعليمه القرآني والفقهي. وفي حوالي سنة 1952 ألتحق بالمسجد الكبير بالمنيعة أين حيث وجد به فضيلة الشيخ زوردي الحاج مهدي السنوسي الجزائري أصلا الليبي منشأ.

درس عنده مبادئ الفقه وشروح إبن عاشر, والرسالة ومبادئ النحو و شرح الأجرومية, ( للعلم الأجرومية على طريقة سؤال وجواب). التحفة السنية, على الأجرومية الكفاروية, إعراب الأجرومية, النحو الواضح الإبتدائي و بعض الدروس من قطر الندى, التفسير البيضاوي, وتفسير الجواهر للطنطاوي جوهري, وتفاسير أخرى في الآخلاق, شرح لآمية ين الوردي, هدية الألباب, وفي التوحيد جوهرة التوحيد, وفي السيرة والتاريخ, تاريخ الخياط و ذلك من خلال الدروس المسائية ليلا بين المغرب و العشاء.

ولما أشتد عوده كبقية الشباب وأصبح يافعا سعى لطلب الرزق بحثا على لقمة العيش فإلتحق للعمل في التجارة مع والده.

وبإندلاع ثورة التحرير المظفرة وبحماس فياض وروح وطنية لا يزايد عليها أحد إلتحق بصفوف ثورة التحرير رفقة أخوانه المجاهدين , مجاهدا في سبيل الله وفي سبيل الحرية وإستقلال الجزائر.

بعد إستقلال الجزائر وإسترجاع سيادتها إلتحق بمهنة التعليم فأتخرط في صفوفها إذ وظف بداية الأمر معلم في مدينة أولف بولاية أدرار, وتحول بعدها إلى متليلي الشعانبة ثم المنيعة و بعدها إلى بريان وأختتمها بمدينة غرداية.

تميزه في أستمرارية البحوث والإطلاع على كل جديد في مجال التربية والتعليم.

كلف الأستاذ عمل التدريس البحث المتواصل والإطلاع الدائم ألا منقطع على كل جديد, وبذل مزيد الجهود الجبارة في تعلم كل المواد التي لم يسبق له أن تعلمها وذلك لتعبئة رصيده العلمي والمعرفي , وذلك برفقة زملائه في العمل, وبجهوده العصامية معتمدا على نفسه في متابعة الدراسة في مادة العلوم الطبيعية و علم النفس, والتوسع و الأدب, واللغة و الرياضيات, والبرامج المقررة في التاريخ و الجغرافية و باقي العلوم.

تكوينه التخصصي:

لم يكفي الأستاذ الحاج احمد السيراج بما تحصل عليه من علم وتكوين , فراح يواصل تكوينه فألتحق بمدرسة تكوين إطارات التربية سنة 1982 أين تكون فيها لمدة سنتين لغاية سنة 1984, متخرجا منها بدرجة رتبة مفتش. واصل عمله كمفتش بكل من بريان وغرداية ومتليلي إلى غاية تقاعده سنة 1993.

         وأدينوا بالفضل لأهل الفضل فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله:

يدين فضيلة الشيخ السيراج الحاج أحمد رحمه الله بالفضل لمشايخه وأساتذته ومن علمه و سعى في تكوينه و تلقينه العلم الشرعي الصحيح، منهم على سبيل الذكر لا الحصر في اللغة و النحو كل من فضيلة الشيخ مولاي لخضر بن سي محمد الإمام (المعلم سي عبدالسلام) , الحاج المهدي السنوسي, الشيخ عبد القادر علام و الشيخ أحمد العياشي رحمهم الله بواسع رحمته.

              مشاركاته في التربصات التكوينية والملتقيات العلمية:

شارك الأستاذ السيراج الحاج أحمد في عديد الملتقيات التربوية والتكوينات العلمية, لإسترارية التكوين المستمر بدون كلل ولا ممل.

                        شهاداته:

تحصل الأستاذ على شهادة الأهلية و شهادة الكفاءة المهنية في التربية , وشهادة BS2/BS1.

                  مؤلفاته :

تفرغ الشيخ الحاج أحمد للبحث والتأليف, فتم طبع أول مؤلف له بواكر أعماله كتاب بعنوان أمثلة قرآنية علة قواعد الأجرومية, وتركانه في تحضير باقي المؤلفات التي سوف ترى النور والطباعة مستقبلا وهي كالتالي:

محفوظات أنشايد مدرسية. تسديس لامية إبن الوردي. تبسيط إبن عاشر.

ومؤلفات أخرى لم تصنف يومها.

                 نشاطه الأدبي و الثقافي:

لم يكتفي الشيخ أحمد لما سلف ذكره فدخل المجال الكتابي بحيث بعض المقالات و الشعري بقصائده وخواطره منها الدينية و الوطنية و الثورية التاريخية ومنها قصيدته الشهيرة التي شارك بها في ملتقى أدبي للنشاط الطلابي بجامعة تيزي وزو سنة 2023. إضافة إلى براعة الأستاذ الحاج أحمد في القلم بالكتابة و الشعر, ككاتب وشاعر ,فلم يبقى مكتوف الأيدي فراح يواصل نشاطه في الحقل الثقافي الإسلامي لموروثنا الديني من توجيه وإرشاد ونصح. محاربا الآفات الإجتماعية برمتها ومحاربة الفرأغ الذي هو أساس المصائب والكوارث.

                             البحث و الإكتشاف:

رغم كل ما قام به شيخنا الأستاذ الحاج أحمد من تربية وتعليم و تأليف ونشاط , فتوجه إلى عالم البحوث العلمية و مجال الإختراعات فتوصل إلى إختراع جهاز ضد تلوت البيئة الذي شارك به في صالون الإبتكار والإختراع بتاريخ 06 ديسمبر 2006. والذي تحصل على شهادة براءة الإختراع. وجهاز أخر حدثتني عنه يومها خاص بتجفيف مياه وادي الحراش بالجزائر العاصمة الملوثة. وجهاز تجفيف مياه المستنقعات السطحية وجهاز تكييف الطاقة الشمسية.

        العمل التطوعي الجمعوي في مجال محو الأمية ومحاربة الجهل:

إستمرارية للنشاط المكتف إلتحق الشيخ الحاج أحمد السيراج للمنظومة الحركة الجمعوية في المجال التطوعي وأختار عالم التربية والتعليم في محو الأمية ومحاربة الجهل , بحيث سار على خطى السلف رحمهم الله منه فضيلة الشيخ العلامة الحاج أحمد مصطفى محارب الأمية والجهل وقت الإستعمار الفرنسي الرجل المصلح الذي كان يجوب مضارب البدو بالصحاري و الفيافي, معلم من أعلام الجنوب الجزائري برمته ورقلة غرداية متليلي الشعانبة وغيرهم. من رجال الفكر والتربية والتعلم والإصلاح, رجال سلاحهم الكلمة والقلم والموعظة الحسنة في محاربة الأمة والجهل والتخلف والقضاء عليهم. رجل أنار درب الكثير, ناضل وجاهد باللسان والكلمة والقلم وتصد للإستعمار الغاشم بكل ما أتوي من قوة غير مبال ولا خائف ولا متهاون رجل أعلن كلمة الله عاليا.

فتوسعا لذلك أسس جمعة محاربة الأمية وتعليم البدو الرحل في مضاربهم و أماكن إستقرارهم وتجمعات خيمهم. بحيث كان يتنقل إليهم رفقة بعض أعضائه من الأستاذة المتطوعين في بادية صحراء متليلي الشعانبة وضواحيها منهم الأستاذ جعفر عمر بن الحاج مسعود.

                    تكريماته و جوائزه:

نال الأستاذ الحاج احمد السيراج عديد الجوائز والشهادات التكريمية من عدة جهات سواء من قطاع التربية والتعليم و باقي الجمعيات و المؤسسات المختلفة منها جميع إقرا مكتب متليلي الشعانبة بولاية غرداية.

        مساندته ودعمه لقطاع محو الأمية في التربية والتعليم:

كان شيخنا الحاج أحمد السيراج رحمه لا يبخل على أحد بالنصيحة و الموعظة والإستشارة وكل قاصدا له متنقلا بسيارته الزرقاء من نور أريكات R4.

أو بالحضور في عين المكان , كما يفعل معي إذا لا يتأخر في الإتصال بي للإطمئنان و الحضور إلى مكتبي سواء المهني في الإستشارات القانونية بالمجتمع التجاري حي 20 نوفمبر 1960, أو بمكتبي الإداري بوسط المدينة لرئاستي لجميعة اقرا للطلاع على برامج العمل و سيرورته و على النشاط المسطر و مراجع كل ما يتعلق بذلك و تزويدي بالمعلومات الضرورية التي كنت أجهلها في مجال التعليم بحيث ليس تخصصي. كما كان يشاركني في الإطلاع على أعماله وجديد مؤلفاته وكتابته لا سيما أشعاره.

في أخر لقاء لي به كان بتاريخ أفريل 2015, لتهنئتي على حصولي على درع التميز بالملتقى الدولي جيوماتيكس الأفروي الأسوية الأوروبي بالعقبة بالإردن بتاريخ 31 مارس 2015. ويشاء القدر أن أمرض وأنقل لخارج الوطن والمكوث لأجل عير معلوم وبقي الإتصال عن طريق الإطمئان والإستفسار على حالتي الصحية رحمه الله برحمته الواسعة.

بالأمس القريب كانت تحية إحترام ووقار من خارج الديار إلى القبس من سراج إلى فضيلة شيخي الأستاذ صاحب الإبتسامة الشفافة الدائمة, الرجل الوقور الذي كرس حياته للعلم والتعليم والمتطوع, الرجل الذي لا يهدأ له بال إلى إذا رأى طلبة العلم في توفيق ونجاح والأمية في إنخفاض ومحاربتها بشتى الطرق. الرجل الذي ساندني ودعمني وأزارني وأخد بيدي ووقف إلى جبني كل وقت بدون طلب وقدم لي خدماته الجليلة التي لا تعد ولا تحصى مادية ومعنوية وهداياه التي لا تنتهي ولا تقدر بثمن, واليوم كلمة رثاء وتأبين لنعيه.

                                خـــاتـمــــــــــة:

إن شخصية الأستاذ السيراج الحاج أحمد. تركت بصمات واضحة في تاريخ مساره الحافل والمتنوع, والتي تصنفه ضمن سجلات الجيل الأول من النخبة الجزائرية المتعلمة المثقفة التي إكتسبت الثقافة العربية الدينية القرآنية الفقهية الأصلية من جذورها عن سلفها وخطى أثرهم, وأقتحمت المجال التعليمي التربوي وحقل المشهد الثقافي التنويري منذ بدايات القرن 20م، ونشطت المشهد العام بالجنوب الجزائري في إطار الإيديولوجية الفكرية لمحاربة محو الأمية و القضاء على الجهل والتخلف.

فستبقى بإذن الله قبس وهاج من سراج ونور وضاح , سيراج منير كما قال فيك الشاعر الأستاذ الدكتور بلقاسم غزيل بن محمد, على مر العصور أسمك تتداوله الألسن وتردده الأجيال المتعاقبة بإذن الله من كل المنابر و الجبال الشامخات,

جعل الله عملك في ميزان حسناتك وخلف عليك بخلفة الخير

تلميذك الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون –27 نوفمبر2023 ستراسبورغ فرنسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى