أنواع السياسات الاقتصادية المناسبة

 
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي
بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق
تحرص كل دولة على رسم سياسة اقتصادية فعالة تهدف إلى توفير بيئة استثمارية واعدة في القطاعات ذات الأولوية للاقتصاد الوطني ورفدها بمنظومة إدارية وتشريعية محفزة لممارسة الأعمال وانشاط الاقتصادي.
السياسة الاقتصادية المناسبة مجموعة الإجراءات والقرارات التي تتخذها الدولة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وضعتها لدعم النمو الاقتصادي، وتثبيت الأسعار، وخلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات، وتحرير التجارة وغيرها من الأهداف الأخرى، ولا يكون ذلك إلا من خلال وسائل وأدوات تستخدمها لتحقيق الأهداف المرجوة من تفعيل هذه السياسات.
يتضمن كل جانب من جوانب النشاط الحكومي عنصراً اقتصادياً مهماً، يتأثر بالسياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة:
منها السياسة المتعلقة بالاقتصاد الكلي، والتي تحاول الدولة من خلالها الحفاظ على تطور عرض النقود بمعدل لا ينتج عنه تضخم مفرط، أو محاولاتها تهدئة دورة النشاط الاقتصادي ودورة العمل، والسياسة التجارية، التي تحدد التعرفات والرسوم الجمركية والاتفاقيات التجارية والمؤسسات الدولية التي تحكمها، أو سياسة رفع معدلات النمو الاقتصادي والتنمية، السياسات التي تتناول إعادة توزيع الدخل أو الممتلكات أو الثروة، وسياسة مكافحة الاحتكار، والسياسة الصناعية أو الزراعية وغيرها. تتضمن السياسة الاقتصادية العامة للدولة ثلاثة أنوع من السياسات: السياسة التجارية وتتضمن العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى تبدل المنتجات وانتقال رأس المال، والسياسة المالية التي تتعامل مع الإجراءات الحكومية المتعلقة بالضرائب والإنفاق، والسياسة النقدية التي تهتم بالإجراءات المصرفية وسوق النقد، يحددها المصرف المركزي فيما يتعلق بعرض النقود وأسعار الفائدة.
1 – السياسة التجارية:
السياسة التجارية هي كافة الإجراءات التي تضعها أجهزة الدولة المسؤولة عن تنظيم التجارة الداخلية والخارجية بهدف تيسير تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال في الداخل والخارج، وبما يحقق الاستقرار الاقتصادي في الميزان التجاري وميزان المدفوعات. فسياسة التجارة الخارجية تعني استخدام بعض الأدوات بقصد التأثير في العلاقات الاقتصادية للدولة مع الدول الأخرى، أي التأثير في الصادرات والواردات وفي حركة انتقال رؤوس الأموال.
وتستخدم السياسة التجارية في الكثير من البلدان لتحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية وسياسية، فمثلا قد تستخدم لحماية الصناعات الوطنية الناشئة، ولتحسين ميزان المدفوعات، ولزيادة الإيرادات العامة، وقد تستخدم لمنع أو للحد من استيراد سلع معينة غير مقبولة اجتماعيا أو محرمة دينيا، وقد تستخدم لتحقيق أغراض سياسية، حيث تعتبر السياسة التجارية مكملاً أساسياً لسياسة الدولة الخارجية، مثال: قد تعطى إعفاءات أو مزايا تفضيلية لواردات بلد معين أو قد يمنع الاستيراد من بلد أخر أو غير ذلك.
وتتحقق أهداف السياسة التجارية عن طريق استخدام بعض الأدوات منها:
• الرسوم الجمركية.
• نظام حصص الاستيراد.
• نظام الرقابة على النقد الأجنبي.
وتعتبر الرسوم الجمركية من بين الضرائب غير المباشرة وتفرض غالباً على الواردات، وهي تعد من أكثر أدوات السياسة التجارية استخداماً نظراً لتعدد الأهداف التي يمكن تحقيقها عن طريق استخدام الرسوم الجمركية، ويتدرج جدول الرسوم الجمركية من الإعفاء التام إلى المنع والإغلاق عندما تكون الرسوم عالية جداً. أما نظام حصص الاستيراد، ويعرف كذلك بالقيود الكمية على الواردات، فهو نظام قديم لضبط كمية الواردات وتقييدها، وأخيراً، هناك الرقابة على سعر الصرف للعملات الأجنبية، وتستخدم هذه الأداة في حالة عدم وجود سوق حرة لصرف النقد الأجنبي، وتكون الدولة هي الجهة الوحيدة التي يحق لها بيع أو شراء النقد الأجنبي.
2 – السياسة المالية:
تعرف السياسة المالية على أنها مجموعة الإجراءات والتدابير التي تضعها وتنفذها السلطات المالية في الدولة (بالتنسيق مع السلطة النقدية) للتأثير في المتغيرات الاقتصادية، وبما يحقق توجيه وحسن إدارة المال العام نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية العامة للمجتمع. وللسياسة المالية كذلك أدواتها المهمة والفعالة والتي من الممكن استخدامها لتحقيق أثارها في مسار الاقتصاد الوطني وعملية التنمية، وذلك بالتأثير على مستويات الدخل القومي ومكوناته الأساسية، وتنحصر أدوات السياسة المالية في أداتين مهمتين هما:
• تغيير مستوى الإنفاق العام.
• تغيير معدلات الضرائب.
ويتمثل الإنفاق العام في المبالغ النقدية التي تقوم بدفعها الخزانة العامة بهدف إشباع الحاجات العامة، سواء تم ذلك من أجل الحصول على سلع وخدمات لتسيير المرافق العامة أو لدفع الأجور والمرتبات للعاملين – النفقات التسييرية، أو لشراء السلع الرأسمالية اللازمة للعمليات الإنتاجية المختلفة – النفقات الرأسمالية التنموية، أو لمنح المساعدات أو الإعانات المتعددة – النفقات الاجتماعية والتحويلية. ويتعين أن يستوفي الإنفاق العام عدة ضوابط منها:
• أن تقوم به جهة عامة،
• وان يهدف لتحقيق نفع عام لأفراد المجتمع،
• وأن يكون في شكل نقدي.
وتتعدد مصادر الإيرادات لتشمل: الضرائب والرسوم بأنواعها، الاقتراض، والإصدار النقدي، والفائض الاقتصادي في القطاع العام.
وتعد الضرائب، الأداة الأساسية الثانية من أدوات السياسة المالية وهي كذلك مصدر تمويل رئيس، ويمكن تعريفها بأنها عبارة عن مبلغ معين من النقود يدفعه الأفراد – طبيعيون أو معنويين – جبراً للدولة لتغطية النفقات العامة دون أن يكون هناك مقابل، وليس للفرد خيار إنما هو مجبر على الدفع دون اخذ رغبته أو استعداده للدفع في الاعتبار، ويعني هذا أن الدولة تنفرد بوضع النظام الضريبي، وتحدد وعاء الضريبة وسعرها وكيفية تحصيلها والمكلف بدفعها، والضرائب أنواع، أهمها الضرائب المباشرة التي تفرض على الدخل وأثارها مباشرة، والضرائب غير المباشرة وهي ضرائب المعاملات ( القيمة المضافة، المبيعات، الاستهلاك، وغيرها)، لها آثارها على تيار الدخل وإن كانت بشكل غير مباشر.
وتؤثر هذه الأدوات – الإنفاق العام والضرائب – على المتغيرات الاقتصادية الكلية، مثل الناتج والدخل القومي والاستهلاك والاستثمار بالإضافة إلى تأثيرها على المستوى العام للأسعار وعلى نمط توزيع الدخل القومي. مثال: الزيادة في الإنفاق الاستثماري العام (أو منح تخفيضات وحوافز ضريبية لتشجيع الاستثمار) تؤدي إلى زيادة التكوين الرأسمالي الثابت وزيادة المقدرة الإنتاجية للدولة.
3 – السياسة النقدية:
يعهد للبنك المركزي بوضع وتنفيذ السياسة النقدية، والهدف الرئيس لهذه السياسة هو استقرار الأسعار. يلتزم البنك المركزي– في المدى المتوسط – بتحقيق معدلات منخفضة للتضخم لتسهم في بناء الثقة والمحافظة على معدلات مرتفعة للاستثمار والنمو الاقتصادي. ان تعزيز الحكومة لهدف استقرار الأسعار والتزامها بسياسة نقدية ومالية رشيدة يعد أمراً هاماً لتحقيق هذا الهدف.
يقوم البنك المركزي بوضع وتنفيذ إطار متكامل لإدارة السياسة النقدية مستخدماً منهجية استهداف التضخم فور توافر المتطلبات الأساسية لذلك. وهو ما يؤدى الى تعزيز مصداقية وشفافية السياسة النقدية. ويعمل البنك المركزي على تحقيق المعدل المستهدف للتضخم عن طريق ادارة أسعار الفائدة قصيرة الأجل، أخذاً بعين النظر تطورات الائتمان والمعروض النقدي، بالإضافة الى العوامل الأخرى التي قد تؤثر على معدل التضخم. ويؤكد البنك المركزي على أن أسعار الفائدة الحقيقية السالبة لا تتسق والجهود المبذولة لخفض معدلات التضخم.
يتخذ مجلس النقد والتسليف ولجان السياسة النقدية القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية. وتنفذ قرارات المجلس عبر مجموعة من الأدوات والإجراءات. ولوضع القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية موضع التنفيذ، فقد يقرر العمل ضمن إطار لأسعار الفائدة يشمل سعرين للعائد أحدهما للإيداع والآخر للإقراض. “Corridor System” ويمثل سعر فائدة الايداع الحد الأدنى لسعر الفائدة، ويمثل سعر فائدة الحد الأقصى لسعر الفائدة. ويعد هذين السعرين بمثابة الأداة الرئيسة لتنفيذ السياسة النقدية التي تستهدف سعر فائدة المعاملات بين البنوك. كما يقوم البنك المركزي باستخدام عمليات السوق المفتوح لإدارة السيولة.
أصبحت الأدوات التقليدية للسياسة التجارية في الوقت الحاضر غير ذات جدوى وفعالية خاصة في إطار ترتيبات منظمة التجارة العالمية من تحرير للتجارة وللعملة ورفع كافة أشكال القيود على حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وما نجم عنها من ارتفاع معدلات الانكشاف لمعظم الدول الأمر الذي جعل تطبيق هذه الأدوات إما يتعارض مع هذه الترتيبات أو غير ذي جدوى في تحقيق أهداف السياسة التجارية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى