أنا ولجنة التحديد والتحرير
د محمود عباس
أما طبقة ولي أمر مجتمعنا وجهلها بأهمية وضرورة الالتزام بالقضية لجميع الكرد دون استثناء، وخطورة إهمالها أو تغاضيها لم يكن يعني بحد ذاته أنها ستكون حجر عثرة في طريق الحراك طوال الوقت، والدليل واضح؛ حيث كل الكرد مستهدفين من قبل المحتل، وغايته هو استبدال سَكَنَة الأرض ببني جلدته، وعليه مهما يكن هذا الآغا متعاونا معه فهو في النهاية كردي بقضه وقضيضه يجب التخلص منه، وعددهم ليس بالقليل حتى يتفاداهم؛ إجمالا يمكننا القول أن كل قرية كانت لها آغاها، ويدرك المحتل هذا جيدا، ونظرا لهذا كان من واجب الحراك إفهامه، أي الأغا، بما ينتظره مستقبلا من قبل المحتلين، وكان هذا هو المطلوب من الحراك اتباعه، غير أن سجلات تلك الفترة تشي بعكس المطلوب! واعتبار الحراك آغا شريكا للسلطة كان خطأَ ارتكبه، وأعتبرُه قصر النظر في تشخيص تعاون الأغا. صحيح أن منهم من كان متعاونا؛ لكن مدعاة ذلك هو الجهل وليس التعميم، كما كان مروجا يومئذٍ من جهة الحراك عن أولياء مجتمعنا.
مكشوف أن تغاضي السلطة عنهم في أول الأمر كان القصد منه حرمان الحراك من مصدره المالي، وما كان من الحراك أن تعامل مع هؤلاء بعداء؛ إنما كان يُراد منه بذل الجهد وسبل الإقناع في استمالتهم، لكي يتم التراص والتكاتف بين شرائح الشعب، حارما المحتل من استمالتهم إليه. صحيح أن المحتل بقوته المادية والسلطوية يسهل عليه ذلك؛ إلا إن المستقبل القاتم الذي انتظرهم كان كافيا أن يكون الحجة المقنعة في الاستمالة لا العكس الذي اتّبعه الحراك فأحدث شرخا في وحدة الشعب وتماسكه، كما تبين لاحقا أن الأغا لاقى المصير المتوقع له من قبل المحتل، وخير دليل عليه لجنة الاستيلاء التي تحدثنا عنها وعن فظاظتها غير المبرر. ونظرا لهذا معاداتها وأمثالها في مثل تلك الأوقات يعدها الكفاح التحرري من كبائر الأخطاء ومن الأخطاء القاتلة.
لو شخصّنا بلمحة سريعة على ما نحن عليه الآن من زاوية استدامة رواسب الماضي فينا؛ لوجدناها بكل جلاء أنها موجودة، ولكن برداء عصرنا، لا ننكر أن الكثير من الماضي صار في خبر كان، غير أن ما بقي منه يعيق تخطي العديد من الخطوات الضرورية، ربما لا يعلم البعض أن 42 مستوطنة توسعت للتجاوز اليوم قرابة مئتي مستوطنة أو مزرعة إلى جانب العشرات من المزارع والفيلات الملحقة بمشاريع متنوعة؛ ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالطرق التي أتينا على ذكرهم في الحلقات السابقة، بل وفي مقالات أخرى نشرتها في الماضي. كما أسلفت هذا المقال مجاله في هذا الإطار ضيق، قد أعود إليه لاحقا، إذا أسعفني الوقت، فأكتفي بأن أنوه أن رواسب ذاك الماضي الذي لم نجنِ منه سوى استفراغ الأرض، وتهجيرنا القسري مشفوعا باستقدام من يستحلّ أرضنا من بني السلطة. وهكذا كررنا كوردستان الحمراء ثانية، ونحن نلقي اللوم على الظروف ونكص الغير لوعوده المقطوعة لنا! فالضعيف من قابليته إيجاد المبررات لفشله.
هذا قدرنا الذي جنيناه بأيدينا بسبب شحة المعرفة بما يجب معرفته من طرق الكفاح لأجل التحرر، والعلة الكامنة برسوخ منقطع النظير في أذهاننا هي أننا متيقنون أن معرفتنا الحالية بخصوص مجهودنا التحرري تام بما فيه الكفاية. وتاريخ نضالنا التحرري الذي فاق قرنين ويزيد، ونحن ما زلنا نكابد الفشل تلو الأخرى. والسؤال هنا: إلى متى سنظل على هذه الشاكلة؟ وكثيرا ما يخطر على بالي السؤال التالي: متى سنعرف ذاتنا وأعداءنا بالشكل المطلوب؟ فالذي يجهل نفسه وعدوه فالفشل رفيقه اللزم.
كنت والأخوة من أهل القرية نقدم لهم، من باب كرم الضيافة، ما كان بإمكاننا من الخدمات طوال بقائهم. وأذكر أنني لمرتين، ومن دون علم الوالد، استجبت لطلبهم الداعي لابتياع صناديق من البيرة وقناني من العرق، بعد إلحاح شديد من بعض أعضائها، من المرجّح كان الإلحاح من رئيس اللجنة ذاته. مع استجابتي لما طلبوه ظلت وجوههم جاهمة كالحة، وفي المرتين رافقني بسيارتهم شاب منهم كان لطيفا، وقد ذكرته في إحدى حلقات هذه السلسلة.
يتبع…