تعاليقرأي

أما آن الآوان ؟؟

تمارا حداد.

إن أبرز القضايا التي تستوجب إعادة النظر هي مسألة “السلطة” ودورها في مجتمع المستقبل ضمن المعطيات والحقائق الموضوعية التي أفرزتها التطورات الحديثة في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا، والنظر إلى مسألة الأزمات المتوالية التي تحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة وما يُوازيها من حراكات مطلبية حقوقية معيشية “حراك النقابات” في الضفة الغربية وحراك “بدنا نعيش” في قطاع غزة.

ومن هنا لا بد من تناول تلك الحراكات على محمل من الجدية والتي تعكس ضعف النظام الحالي سواء في الضفة أو القطاع على التعامل مع المواطن وآلية ادارة شؤون حياته، وتُعبر عن عدم قدرته على الإستجابة للمطالبة الحيوية للمجتمع البشري وإنجاز الخدمات الضرورية لجعل الحياة أمراً ممكناً.

إن أبرز ما يُميز النظام الحالي التناقض الصارخ بين ما يتم طرحه حول الاصلاح وبين الواقع اليومي الذي يعكس غير ذلك والدليل خروج الحراكات باعتصامات متوالية هدفها الخروج من المأزق الحالي والذي سببه إفتقار ذلك النظام لقاعدة أيديولوجية واحدة تمثل الأساس الذي تبني عليه أنظمته السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية وخلو أذهان المسؤولين من الرؤية المستقبلية التي تقود السياسات والبرامج التنموية.

غاية الدولة الحضارية هو تحقيق المصلحة العامة وهي بثلاث وظائف أولها التشريعية وتعني وضع القواعد العامة الإلزامية الأعم من مرسوم تنظيمي ومرسوم تشريعي، والوظيفة التنفيذية تعني تنفيذ القوانين وتطبيقها وإتخاذ الإجراءات اللازمة لأعمال الحكم والإدارة وينظم هذه الوظيفة القانون الإداري والمالي، والوظيفة القضائية تعني حل النزاعات والخلافات التي تحصل بين الأفراد أو الأفراد والدولة.

وأمام ما نشهده من أزمات في الواقع الفلسطيني على كافة المستويات “أما آن الأوان” للخروج من الواقع المُظلم وتحقيق تلك الوظائف بشكل ديمقراطي حضاري بعيد عن التفرد والتي ستُوجه الشارع إلى فوضى لا يحمد عُقباها، “أما آن الأوان” بلورة الديمقراطية من جديد لإعادة تنظيم شامل لترتيب المجتمع بصفته مركزاً للديناميكية المشتركة ومنبعاً للتغيير وهو ما يجري داخل الجماهير لخلق موطن الإبداعية الجماعية والتي بحاجة لإصلاحات من خلال ديمقراطية فعالة كإصلاحات سياسية من خلال سلطة مُنتخبة لها دور نحو تحسين الأداء والتطوير، والعمل بسلسلة من الإصلاحات الإدارية إلى جانب جهاز الخدمات العمومية ومعالجة الانحرافات بكافة أشكالها، لحماية الاستقلال الحقيقي للأفراد ضد الأخطار التي تهددهم مثل “المرض، البطالة، الشيخوخة، العوز، والفقر”.

“أما آن الآوان” تحرير الحريات الإنسانية ضمن ولادة جديدة لفكر جديد وثقافة جديدة بعيدة عن التحزب والتعصب الفكري بل فكراً مبنياً على البحث العلمي إيماناً نحو التحسين، فنحن بحاجة لولادة ايديولوجية متحررة لانقلاب مشهد متحرر بعد مرحلة طويلة من الخسوف، نحو إحياء جديد لمسار الخروج من الفئوية والتنمر لبلورة استقلال ذاتي ضمن نظام سياسي “واحد موحد” يعمق مبدأ القانون وديمقراطية حقوق الإنسان وضمانة الحق الإنساني في المجال القضائي وتعزيز القانون الديمقراطي بدل العجز السياسي للديمقراطية.

“أما آن الآوان” إلى بلورة الإصلاح الإقتصادي والإداري والمؤسساتي والسياسي والمجتمعي بترسيخ حكم القانون، “أما آن الآوان” العمل على محاربة الفساد وتشكيل لجان المحاسبة والمسؤولية وترسيخ الشفافية، وإيجاد فعاليات أكثر قابلية للتحليل وإيجاد فكر سياسي ثقافي مع مسارات الإصلاح كافة من الداخل.

“أما آن الأوان” إلى هيكلة جميع الهيئات والمؤسسات المالية والإقتصادية الحكومية والمختلطة في القطاع والضفة بما يتواءم واتجاهات تحقيق التحرر الفعلي، “أما آن الآوان” لوضع ميثاق منظومة نزاهة وطنية بين الجانبين وسد الثغرات القانونية التي من خلالها يحدث الإنحرافات الادارية.

“أما آن الآوان” لبناء النظام السياسي الديمقراطي الموحد من خلال عمل الإنتخابات التشريعية والرئاسية وإنهاء الإنقسام وتفعيل المصالحة، وتعزيز المشاركة السياسية الديمقراطية ببناء سلطة سياسية قوية واحدة تكون على أسس قانونية، وتعزيز مبدأ فصل السلطات وكذا الفصل بين الوظائف السياسية تتضمن توزيع عادلاً للموارد ترتبط ببناء المؤسسات، وإعتماد معايير الترشيد وبناء الثقافة السياسية، والتأسيس للسلطة بالتمايز البنائي” ميزة وفاعلية”، والعقلانية.

“أما آن الآوان” إلى بناء السلم الأهلي يتضمن بإعادة عملية سياسية متوازنة ترتكز على شرعية قانونية ومجتمعية بين السلطة والمجتمع تمكنها بناء علاقات تستعيد القدرة على إدارة الشؤون الداخلية، وهي بحاجة إلى الكل فرداً ومجتمعاً وحكومة لبناء أحكام تُنظم حياة الجماعات والأفراد لمنع الانزلاق للعنف والمحافظة على ديمومة السلم الداخلي الوطني وتعزيز التماسك الاجتماعي.

“أما آن الآوان” لحل مشاكل بعض المؤسسات التي تعاني من مظاهر القصور والخلل يتمثل أبرزها في الفساد والمحسوبية وشخصنة الوظيفة وتحويلها إلى ملكية خاصة، ما أهدر قيمة القانون وضوابط الأداء وشجّع على سرقة المال العام وتقريب الأشخاص وفق المزاج وغابت المساءلة والعقاب لغياب المجلس التشريعي، مما أدى إلى تغييب دور الأجهزة الأصل نتيجة تداخل الاختصاصات، ناهيك عن الترهّل الوظيفي بسبب ازدواج النشاط وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وضعف القيادة الإدارية، مما أدى إلى الاستهتار في التعامل مع ثوابت الخدمة المدنية والعسكرية في معايير الأداء بجانب الجمود الفكري وغياب الإبداع وضعف التدريب، وغياب الولاء في مواجهة الإحساس بالانتماء السياسي.

“أما آن الآوان” إلى تحقيق مبدأ الفصل بين السلطات كأحد المبادئ الدستورية الأساسية التي تقوم عليها النظم الديمقراطية التي جاءت للتخلص من فكرة استبداد الحكم، وتتلخص الفكرة التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية: التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتُسيء استعمالها وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياة الأفراد وحقوقهم.

الإصلاح السياسي:

هو بإجراء الانتخابات لفرض نظام موحد وانتخاب مجلس تشريعي من أجل انشاء اللجان التشريعية التي تمارس رقابة فعالة على جوانب عديدة من عمليات الاجهزة التي تقع تحت اشرافها ومنحها الصلاحيات ومن المهم وجود مجلس تشريعي لسن القوانين وضع تشريعات حديثة لدعم قطاع خدمة عامة فعال، ومن المهم تحديث البنى التحتية الاساسية والادوات المستخدمة من قبل مؤسسات القطاع العام، ووضع انظمة واجراءات ناجعة لتقييم الاداء.

الإصلاح الإداري:

بحاجة إلى ملاحقة تشريعية لتوفير البيئة القانونية والتشريعية لمتابعة ومواكبة التطورات العالمية والقانونية بما يوفر قانوناً حياً، ومن هنا فإن عملية الإصلاح الإداري تنطلق من تعديل قانون الخدمة المدنية والعسكري الفلسطيني.

الإصلاح القانوني:

لا يتعزز الإصلاح القانوني إلا بإقرار قوانين يُقرها المجلس التشريعي وهي إحدى وظائفه وبمشاركة الشعب في إقرارها من خلال “الاستفتاء الشعبي” عليها تناسب المصالح العامة للمواطنين كأساس للإصلاح الاقتصادي والإداري والهيكلي.

ختاما: الانتخابات لا بد أن تحدث فهي المفتاح لرزمة الإصلاح السياسي وأداة من أدوات ترتيب البيت الفلسطيني وليس مدخلاً إضافياً للشرذمة والانقسام، من الهام تنفيذ الانتخابات كاستحقاق شرعي وديمقراطي ومهم تنفيذها للوصول لاصلاح وطني وسياسي واقتصادي واجتماعي، واختيار ممثلين عن الشعب بكافة أطيافه بعيداً عن التعيين والاهتمام بالمصالح الوطنية العليا بعيداً عن المصالح الفصائلية والاجندات الخارجية.

وما يحدث في غلاف غزة من تجهيزات عسكرية قد تجر إلى حرباً واسعة النطاق وأكثرها شراسة على القطاع وهو ما يُريده الاحتلال للالتهاء بواقع الحرب والابتعاد عن حل الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وأيضا لتحقيق مآرب اسرائيلية قُبيل الانتخابات الاسرائيلية، والالتهاء عن مطالب أهالي الجنود الاسرائيليين المعتقلين في القطاع حتى يهرب الاحتلال من مطلب تحقيق صفقة أحرار أخرى، فلا بد من الحذر قبل خوض الحرب وها هي حدثت إذن تحتاج تكامل الكل الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى