جواسيسسري للغايةمجتمعمنوعاتمنوعات

أسرار عصابات المافيا العالمية

منقول


لَطالما حدَّدت عصابات المافيا منذ عقود طويلة، وعند تأسيسها، أنظمةً دقيقة ومعقدة لتنظيم أنشطتها وإدارة شؤون المنتسبين إليها من أعضاء وعملاء.

ولم تدخر أفلام السينما وسعاً في استكشاف هذه النُّظم والقوانين، وحاكت حولها العديدَ من القصص والروايات الغامضة.

ومن بين هذه القوانين الصارمة التي تتّبعها عصابات المافيا العالمية بشكل ممنهج قوانين تُلزم أعضاءها بعدم الوشاية بالآخرين مهما كلّف الأمر، وذلك فيما يُعرف بقاعدة أومرتا.

وبموجب قاعدة “أومرتا” يتعرّض أي شخصٍ يتحدث إلى الشرطة للتعذيب والقتل هو وعائلته، جزاء فعلته، وتخويفاً وعبرة للآخرين لكي لا يحذو أحد حذوه.

الالتزام بـ”أومرتا” حتى لو أمام حبل المشنقة!
يوضّح موقع All that’s interesting أن العديد من رجال المافيا، سواء من المنتمين إلى عصابة الندرانجيتا، أو الكامورا، اللتين تُعدان من أكبر عصابات إيطاليا والعالم، قد لقوا حتفهم بموجب قاعدةٍ بسيطة ومختصرة في كلمةٍ واحدة، وهي الأومرتا، أو “عهد السكوت”.

وفيها “يُعتبر كل من يلجأ إلى القانون ضد زملائه إما أحمق أو جباناً. ومن يعجز عن الاعتناء بنفسه دون مساعدة الشرطة هو أحمق وجبان في الوقت ذاته، وتجوز عليه العقوبة الرادعة”.

إذ كان عهد السكوت أمام سلطات إنفاذ القانون بمثابة حجر الأساس للأخلاقيات الإجرامية بين عصابات الجريمة المنظمة في جنوب إيطاليا وفروعها حول العالم.

وبموجب هذه الأخلاقيات الصارمة كان يُحظر على “الشرفاء” من أعضاء المجموعة الكشف عن تفاصيل عالمهم السري الإجرامي أمام الدولة، حتى وإن كان ذلك يعني الاضطرار لدخول السجن أو الوصول إلى حبل المشنقة واستقبال حكم الإعدام بـ”شرف”.

القاعدة حملت قدسية كبيرة داخل العصابات من أكبر أعضائها لأصغرهم، لذلك هناك العديد من القصص حول انتهاكها وصونها، والظروف الصعبة التي استلزم القيام بها من أجل تحقيقها.

بداية التسمية وأصل نشأتها
لطالما كانت الأومرتا من الأسرار الغامضة في تاريخ المافيا السري. وبحسب موقع All that’s interesting، من المحتمل أن يرجع أصلها إلى شكلٍ من أشكال المقاومة ضد ملوك إسبانيا، الذين حكموا جنوب إيطاليا لأكثر من قرنين، بداية من القرن السادس عشر وحتى بدايات القرن الثامن عشر.

أما الاحتمال الأرجح فهو أنه قد جرى تبنيها كنتيجةٍ طبيعية لخروج المجتمعات الإجرامية المبكرة عن القانون. حيث كانت مملكة الصقليتين تتداعى في مطلع القرن الـ19، وبدأت عصابات قطاع الطرق في العمل كجيوشٍ خاصة لمن يدفع أكثر خلال مراحل الفوضى المتتالية. ومن هنا جاءت ولادة المافيا وصعود الثقافة الشعبية التي احتفت بهم.

وبعد اندماج شمال إيطاليا مع جنوبها في مملكةٍ واحدة خلال ستينيات القرن الـ19؛ أنشأت الدولة الوليدة نظاماً قضائياً وقوات شرطة جديدة.

حينها وجدت العصابات الإجرامية نفسها في مواجهة منافسين أقوياء جدد، مع بسط تلك المؤسسات نفوذها جنوباً.

واستجابةً لذلك، قرّر “الرجال الشرفاء” تبنّي مبدأ بسيط ووحشي: عدم الحديث إلى السلطات مطلقاً، وتحت أي ظروف، عن الأنشطة الإجرامية التي ارتكبها أي شخصٍ أياً ما كانت طبيعتها. وحتى لو كان الحديث عن أعضاء العصابات الميتين.

وكانت عقوبة انتهاك القاعدة هي الإعدام، من دون أي استثناء.

القانون كان سبباً في ازدهار المافيا وتعزيز سلطتها
نشأت المافيا في صقلية خلال أواخر العصور الوسطى، إذ ربما بدأت كمنظمة سرية مكرسة للإطاحة بحكم الغزاة الأجانب المختلفين عن الجزيرة، مثل المسلمين والنورمان والإسبان.

وبحسب الموسوعة البريطانية Britannica، بدأت المافيا من العديد من الجيوش الخاصة الصغيرة، أو “mafie” باللغة الدارجة، التي تم توظيفها من قبل الملاك الغائبين لحماية أراضيهم من قُطّاع الطرق في الظروف الاستثنائية الخارجة عن القانون، التي سادت معظم صقلية عبر القرون.

وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نظّم المجرمون في هذه الجيوش الخاصة أنفسهم، وتزايدت سلطتهم، لدرجة أنهم انقلبوا على مالكي الأراضي، وأصبحوا هم مصدر إنفاذ القانون الوحيد في العديد من المناطق.

كما بدأت تلك المجموعات في ابتزاز المال من مالكي الأراضي مقابل حماية محاصيلهم. نجت المافيا وتجاوزت الحكومات الأجنبية المتعاقبة في صقلية، لأن الأخيرة كانت في كثير من الأحيان استبدادية، لدرجة أنها أبعدت سكان الجزيرة أنفسهم، وجعلت نظام المافيا الخاص للعدالة مصدراً مقبولاً لتحقيق العدالة وإنفاذ القانون.

وبشكل أساسي، استند هذا القانون إلى الأومرتا، أي الالتزام المطلق أو عهد السكوت كما أسلفنا، وكان يتم تحقيقه بشكل صارم تحت أي ظرف من الظروف.

وعمل هذا القانون الأخلاقي على تنفيذ العدالة للسلطات القانونية، وعدم المساعدة بأي شكل من الأشكال في الكشف عن الجرائم المرتكبة ضد الأعضاء أو ضد الآخرين.

كما كان الحق في الانتقام من الظلم محفوظاً للضحايا وعائلاتهم، وكان كسر قانون الصمت هذا بمثابة انتقام من المافيا، وإعلان مباشر للعداء والحرب بين الجانبين.

وبحلول عام 1900، انضمت “عائلات” المافيا المختلفة ومجموعات العائلات المتمركزة في قرى غرب صقلية معاً في اتحاد فضفاض، وسيطروا على معظم الأنشطة الاقتصادية في مناطقهم المحلية. وذلك قبل أن يمتد الأمر ليشمل مختلف دول العالم اليوم.

عندما تم انتهاك قانون الصمت المقدس
كان الإيطالي جوزيف فالاتشي رجل مافيا منذ نعومة أظفاره، قبل أن يصبح جندياً موثوقاً في صفوف زعيم المافيا فيتو جينوفيز في الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن فالاتشي أدين مع جينوفيز بتهريب المخدرات عام 1959، وهو مجالٌ شائع لكسب المال بين العصابات في ذلك الوقت.

وأثناء احتجازه عام 1962، تمكن فالاتشي من قتل رجلٍ ظنّ أنه قاتلٌ مأجور أرسله جينوفيز. وللإفلات من عقوبة الإعدام اضطر فالاتشي حينها للإقدام على قرارٍ لم يفكر فيه أي رجل مافيا من قبل، وهو الإدلاء بشهادته أمام مجلس الشيوخ. حينها كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها التحدث بشكل مُعلن عن عصابات المافيا وأنشطتهم.

وفي سلسلةٍ من الشهادات المتلفزة، عرّف فالاتشي الرأي العام الأمريكي على الأسرار التي لم تكن معروفةً قبل ذلك سوى لأعضاء المافيا وأبناء الجالية الإيطالية-الأمريكية، بحسب موقع History التاريخي.

وكشف وقتها أن المنظمة التي كان ينتمي إليها تُطلق على نفسها اسم “كوزا نوسترا”.


وأخبر فالاتشي لجنة مجلس الشيوخ بأن العائلات كانت تحظى بهيكلةٍ شبه عسكرية، وكان لها نفوذها على كافة مستويات المجتمع، وأن عهد السكوت أو الأومرتا هو الذي كان يحدد “رجل المافيا” الحقيقي.

وقال لهم حينذاك إن اسم هذه القاعدة هو أومرتا، وإنّه كان ينتهكها بشهادته تلك أمام العالم.

وكانت شهادة جوزيف فالاتشي بمثابة إيذان بفجر عصرٍ جديد لجهود مكافحة المافيا الأمريكية. ومع انكسار هيبة الأومرتا، بدأ المزيد من رجال المافيا في التقدم إلى مسؤولي جهات إنفاذ القانون الفيدرالية خلال السنوات التالية، بالتزامن مع ضغط الأجهزة للحد من نفوذ العائلات الإجرامية.


من جمع القمامة إلى بناء ناطحات السحاب.. إليك الأعمال التجارية للمافيا
ليس فقط تهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، والبغاء، والتهريب، والتزوير، والسرقة.. ما هي الأعمال التجارية للمافيا والتي سيطرت عليها تاريخياً؟

في حين تضاءلت الأنشطة الإجرامية التقليدية، تكيّفت المافيا مع العصر الجديد وبدأت في العثور على وسائل للازدهار وسط الاقتصاد المعاصر/ istock
لَطالما استثمرت المافيا في الأعمال التجارية الشرعية، لتصبح قاعدةً لعمليات رجالها ووسيلةً لغسيل الأموال من التجارة غير القانونية مثل تهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، والبغاء، والتهريب، والتزوير، والسرقة. فما هي الأعمال التجارية للمافيا والتي سيطرت عليها تاريخياً؟

تُفضّل المافيا الأعمال التجارية غير المنظمة أو القائمة على التعاملات النقدية، إذ تتطلّب قوةً وتحمُّلاً لإنجاز الأمور التي يعزف عنها أفراد المجتمع المهذب.

وصارت إدارة النفايات مثلاً مرتبطةً للغاية بالجريمة المنظمة، لدرجة أنّ مصطلح “طاقم الصرف الصحي” في بعض أجزاء أمريكا يُشير ضمنياً إلى “المافيا”.

وحتى مع اكتساب مُختلف العصابات لمكانةٍ أعلى على التلفزيون وفي الأفلام، لا يزال هناك تصوّر سائد بأنّ المافيا الحقيقية باتت أقل ظهوراً وانتشاراً مما كانت عليه في الماضي.

وفي العصر الرقمي، تُعتبر الأعمال التجارية النقدية أكثر شفافية، ما يزيد صعوبة إخضاع المنافسين. كما بات القانون أكثرَ براعةً في الإمساك بأولئك المجرمين، فضلاً عن تصدُّر أنباء اتّهام أكبر رجالهم لعناوين الأخبار -بدءاً بالقضايا الشهيرة التي تقدّم بها المحاميان رودولف جولياني في الثمانينيات، وروبرت مورغنثاو في التسعينيات، وصولاً إلى النائب العام الأمريكي الأسبق إريك هولدر الذي لمّ شمل أعضاء “العائلات الخمس” بنيويورك (بونانو، وكولومبو، وغامبينو، وجينوفيز، ولوتشيز) في قضيةٍ تاريخية العام 2011.

ويُقال إنّ عدد أعضاء المافيا الإيطالية، المعروفة باسم لا كوزا نوسترا، انخفض من 5 آلاف عضو إلى نحو 3500 عضو خلال السنوات القليلة الماضية، وانخفضت جرائم القتل أيضاً.

إذ تراجع معدل جرائم قتل المافيا في إيطاليا بنسبة 80% بين عامي 1992 و2012، كما يقول مسؤولو إنفاذ القانون إنّ الجريمة المنظمة العنيفة انخفضت داخل الولايات المتحدة أيضاً.

وبالنظر إلى تلك المعلومات من السهل أن يُصيبنا الانطباع بأنّ سطوة المافية تآكلت.

لكن ذلك الانطباع مجرد خرافة.

ففي حين تضاءلت الأنشطة الإجرامية التقليدية، تكيّفت المافيا مع العصر الجديد، وبدأت في العثور على وسائل للازدهار وسط الاقتصاد المعاصر.

وربما باتت أقل ظهوراً على الساحة، لكنَّ المافيا لا تزال محتفظةً بنفوذها في بعض الصناعات (والنقابات وغرف السياسة الخلفية).

ويتجلّى ذلك في إيطاليا، حيث تُسيطر لا كوزا نوسترا على واحدةٍ من أصل كل خمس شركات في البلاد.

أما في الولايات المتحدة، فمن السهل أن تستشعر النشاط التجاري للمافيا بفضل نفوذها داخل مدينةٍ مثل نيويورك، حيث لا تزال المسؤولة عن جمع القمامة وتشييد ناطحات السحاب.

الأعمال التجارية للمافيا

10- جمع القمامة/إدارة النفايات
تعود العلاقة بين صناعة جمع القمامة وبين الجريمة المنظمة إلى عقودٍ مضت.

ففي الولايات المتحدة، كانت لا كوزا نوسترا جزءاً من منظومة الصرف الصحي التجارية لمدينة نيويورك منذ الخمسينيات (حيث يجري جمع القمامة الشخصية بواسطة إدارة الصرف الصحي في المدينة).

إذ اعتاد جامعو القمامة على تعديل جداولهم وتبادل خطوط السير، ما جعل المنظومة أكثر عرضة لتكتيكات الإكراه.

ودخلت المافيا الصناعة من خلال نقابة تيمسترز، لتفرض نفوذها على بعض خطوط السير، وتستخدم التكتيكات البغيضة لإبعاد المنافسين عن الساحة.

وحين دخلت السوق شركة Browning-Ferris Industries الوطنية الرائدة في صناعة النفايات عام 1992، عثرت زوجة أحد مديريها على رأس كلبها مقطوعاً في حديقتها. وحمل الرأس داخل فمه الرسالة التالية: “أهلاً بكم في نيويورك”.

وشنّت قوات إنفاذ القانون في نيويورك مداهمات متواصلة لتنظيف الصناعة.

وكان الأمر على رأس أولويات رودي جولياني في منصبه حاكماً لمدينة نيويورك، كما أشرف هو والمحامي روبرت مورغنثاو على الاتهامات التي وُجِّهت لأفراد عائلات غامبينو وجينوفيز الإجرامية في التسعينيات.

ورغم ذلك لا يزال وجود المافيا قائماً، ففي يناير/كانون الثاني عام 2013، اتُّهِمَ 30 شخصاً بالابتزاز في مدينة نيويورك. وشملت القائمة أعضاء وشركاء في ثلاث عائلات مافيا -غامبينو وجينوفيز ولوتشيز- ترتبط جميعها بأعمال جمع القمامة.

9- القمار
يروي تاريخ المافيا واقعتين شهيرتين حدثتا داخل موقعين معروفين حالياً، بحسب ما نشره موقع HowStuffWorks.

أوّلهما في عام 1929 حين اجتمع رموز الجريمة المنظمة بمدينة أتلانتيك سيتي لنقاش الحظر المفروض على الكحوليات، تحت ستار الاحتفاء بشهر عسل زعيم المافيا ماير لانسكي.

ناقشوا على وجه التحديد كيف يُمكن للمافيا التربُّح من رفع الحظر عن طريق الاستثمار في نوادي القمار (الكازينوهات) والنوادي الليلية.

وتُشير القصة الأخرى إلى أنّ لانسكي وذراعه اليمنى بوغسي سيغل كانا يتطلّعان إلى صحراء لاس فيغاس وإمكانات أن تصير قبلةً للقمار. وتُشير الوقائع التاريخية إلى ارتباط المافيا بالكازينوهات ارتباطاً لا ينفك وثاقه.

والأمر منطقي: إذ تُصمّم الاحتمالات لتصُب في مصلحة الكازينو، ولا تُولي الجهات التنظيمية اهتماماً كبيراً لهذه الصناعة مثل الصناعات الأخرى، فضلاً عن امتلاك المافيا للقوة اللازمة من أجل إدارة تجارة القمار -المُتقلّبة أحياناً- بنوعٍ من السلاسة.

وساعدت روابط المافيا على تحويل لاس فيغاس إلى الوجهة السياحية التي هي عليها اليوم، والتي تُقدّر قيمتها بعدة مليارات من الدولارات.

لكن السياح لن يلحظوا أدلةً على وجود المافيا في لاس فيغاس هذه الأيام، باستثناء المتحف الموسمي، أو المطعم الخاص، أو عند التعرّف إلى أحد السكان المحليين. لدرجة أنّ الكازينوهات باتت تخضع لإدارة الشركات.

لكن رجال المافيا تكيّفوا مع العصر الحالي وانتقلوا إلى الإنترنت. وفي هذه الأيام بات من المرجح أن يُقبض على أحدهم بسبب أنشطة القمار عبر الإنترنت.

وفي عام 2008، وجّه نائب عام كوينز اتّهامات إلى عائلة غامبينو بإدارة عمليات قمار غير قانونية على طراز الكازينوهات، إذ كان يُسمح للاعبين باقتراض أموال للمقامرة بفائدةٍ تصل إلى 200%.

ومؤخراً، اتُّهِم أفراد عائلة جينوفيز في نيوجيرسي بجني ملايين الدولارات سنوياً من عمليات المقامرة غير الشرعية.

وفي أوروبا، يتخوّف المسؤولون من المبالغ الهائلة التي يجري غسلها بواسطة المافيا من خلال المقامرة عبر الإنترنت، وخاصةً في المواقع الإلكترونية الموجودة داخل ألمانيا، حيث لا تُفرض عقوبات على أنشطة القمار غير القانونية.

8- النجارة والإنشاءات
على غرار استراتيجية التعامل مع إدارة النفايات، شقَّت المافيا طريقَها إلى تجارة البناء من خلال النقابات. وفي العادة تُقدِّم شركات الإنشاءات عطاءاتها من أجل الحصول على الوظائف التي تشمل أطقم النقابات.

ومن المعروف أنَّ شركات الإنشاءات التي تُديرها المافيا تُدرِج أسعار النقابات في عطاءاتها، وتفوز بالعقود، ثم تدفع مبالغ أقل لعامليها.

وداخل النقابة يحصل رجال المافيا على أعلى المناصب، ويبتزون الأطقم الشرعية من أجل منح العطاءات لأعلى المزايدين (بدلاً من النجارين الأكثر براعة)، فضلاً عن التهديدات بالعنف الجسدي.

كما يستثمرون في -ويمتلكون بعض- الشركات التي تُوفّر المواد مثل الفولاذ والأسمنت لطواقم الإنشاء الأخرى. وتُغالي تلك الشركات في النفقات، ما يرفع أسعار البناء بشدة.

واستغلّت المافيا العديد من الطفرات العقارية في نيويورك، وقد حاكم مكتب جولياني زعماء العائلات الخمس في عام 1986، بسبب سيطرتهم على نقابات عمال الأسمنت، ومطالبتهم برشاوى كلّفت المدينة ملايين الدولارات.

وفي عام 1990، واجهت العائلات الخمس تهماً فيدرالية في بروكلين، بسبب تقاضيهم رشاوى وتلاعبهم بعطاءات في عقدٍ بـ150 مليون دولار مع هيئة الإسكان بمدينة نيويورك.

ويبدو أنّ المافيا لا تزال جزءاً من شركات ونقابات الإنشاءات حتى يومنا هذا. إذ يُواصل المقاولون من الباطن، المرتبطون بالمافيا، بناء المشاريع في مانهاتن، مثل برج الحرية داخل مركز التجارة العالمي.

7- طاقة الرياح
يستثمر المجرمون داخل الدول الأوروبية أموالهم في مزارع الرياح وغيرها من أنواع الطاقة الخضراء لغسل أموالهم.

وفي الواقع، تستغلّ “مافيا البيئة” المتنامية في إيطاليا المنح البيئية التي تُقدّمها الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي، عن طريق دخول تجارة الرياح.

وتُعتبر طاقة الرياح جذّابة للمجرمين بفضل مجموعةٍ من العوامل، ومنها: نقص التنظيم في الصناعة، وارتفاع سعر المنتج، والتمويل المعقد، والإعانات الحكومية.

وتُباع طاقة الرياح في إيطاليا بأسعارٍ أغلى من أيّ مكان آخر في العالم، ولهذا السبب تنتشر طواحين الهواء فوق جبال صقلية.

ويُضطر مواطنو الدولة إلى التحديق في مشاهد تطغى عليها مراوح طواحين الهواء، لكنّهم يلتزمون الصمت خشية الانتقام.

6- العقارات
ربما لا تُسيطر المافيا تماماً على العقارات، لكن رجال العصابات يعشقون الاستثمار في العقارات. وحيث يسهل جني المال في مجال العقارات، يسهل أكثر العثور على فضيحةٍ لها علاقة بالمافيا.

وخلال الفترة التي سبقت الفقاعة الإسكانية عام 2008 وفي أعقاب الانهيار، كان دومينيك ديفيتو -المرتبط بعائلة جينوفيز- يعقد صفقات سيئة لأصحاب المنازل.

وحُكِمَ على ديفيتو بالسجن نحو خمس سنوات بسبب احتياله العقاري الذي تضمّن شراء منازل كبيرة في مقاطعة ويستشستر، وهي ضاحيةٌ شمال مدينة نيويورك، وبيعها مقابل أرباح باهظة.

وكذب هو وشركاؤه من أجل الحصول على الرهون العقارية، ثم استخدموا المنازل الجديدة بوصفها ضمانات من أجل الحصول على المزيد من الرهون العقارية، التي ينتهي بها المطاف إلى حبس الرهن، ولكن ليس قبل حصولهم على جزءٍ من أموال التأمين على أشياءٍ مثل الأنابيب المكسورة حديثاً وعن عمد بواسطة المافيا.

وحين انهار سوق الإسكان، كان فريق جينوفيز متواجداً للتلاعب بالأسعار بنفس الطريقة.

وفي تطوُّرٍ آخر غير متوقع، أدّت ممارسات الإقراض المُيسّر من البنوك الكبرى وشركات الرهن العقاري قبل الانهيار دوراً ساعد تجارة القروض باهظة الفائدة.

ولجأ الناس إلى قروض الأصول العقارية من أجل تسديد ديونهم للمافيا.

5- المطاعم ومحلات البيتزا
لطالما كانت المافيا على علاقة بمجموعةٍ من المطاعم اللذيذة، منها مثلاً مطعم PortuCale Restaurant & Bar في نيوجيرسي، الذي يُزعم أنّه كان القاعدة السابقة لعمليات غسيل الأموال التي شملت أكثر 400 مليون دولار جمعتها عائلة جينوفيز.

واليوم، تنتشر محلات البيتزا والمطاعم والمقاهي التي تُديرها المافيا في كل مكان. إذ أسفرت حملةٌ شُنَّت في روما مؤخراً عن مصادرة 27 مطعماً ومقهى، إلى جانب أصول تصل قيمتها إلى 283 مليون دولار.

وشملت القائمة مطعم Pizza Ciro الشهير للغاية، الذي افتُتح قبل أكثر من 10 سنوات ويُشاع أنّه كان يُستخدم لغسيل أموال المخدرات والقروض باهظة الفائدة والإتاوة.

ويُعتقد أنّ نحو 70% من مطاعم وحانات وسط روما مملوكةٌ للجريمة المنظمة، وتُدِرُّ أكثر من 1.53 مليار دولار سنوياً.

وليس من السهل دائماً أن تلحظ أنّك وسط مؤسسةٍ تُديرها العصابات، لأّن تلك المطاعم تتمتّع بمعايير عالية وسمعة جيدة.

4- الحانات
في وقتٍ مُبكّر من الثلاثينيات، حين كانت المثلية الجنسية مخالفةً للقانون داخل الولايات المتحدة، زوّدت المؤسسات المرتبطة بالمافيا العملاء المثليين بمكانٍ للاجتماع والاختلاط وإنفاق المال.

وفي وقتٍ من الأوقات، كانت المافيا تحتكر حانات المثليين في مدينة نيويورك، وغيرها من المُدن حول البلاد على الأرجح.

ورغم أنّ مالك الحانة توني السمين -من عائلة جينوفيز- كان يدفع لرجال الشرطة نحو 1200 دولار شهرياً ليبتعدوا عن حانته، فإنه كان يجني أرباحاً كبيرة عن طريق استغلال الزبائن مقابل غض الطرف عن سلوكهم غير القانوني.

في حين كان فردٌ آخر من عائلة جينوفيز، هو ماثيو لانييلو (ماتي الحصان)، مسؤولاً عن إدارة أكثر من 80 حانة ومطعماً ومرقصاً في السبعينيات، كانت غالبية محلاته تخدم مجتمع المثليين أيضاً.

3- المواد الجنسية
لطالما ارتبط اسم المافيا بإنتاج وتوزيع الأفلام، والكتب، والمجلات الجنسية. وفي الستينيات والسبعينيات، كانت التقارير تُشير إلى أنّ عائلة كولومبو تُدير آلات تعمل بالنقود المعدنية لعرض الأفلام في ميدان تايمز سكوير بنيويورك.

وفي العصر ذاته، كان رجال المافيا يمتلكون ويُسيطرون على غالبية دور السينما المخصصة لأفلام البالغين فقط، ومُوزّعي الأفلام الجنسية، ومعامل معالجة شرائط الأفلام.

ومؤخراً، اكتُشِفت روابط كبيرة بين الجريمة المنظمة وبين عالم المواد الجنسية على الإنترنت. ففي عام 2005، قُدِّم أفراد عائلة غامبينو إلى المحكامة بتهمة الاحتيال لعرضهم جولات مجانية في مواقع البالغين الإلكترونية، قبل أن يسحبوا رسوماً باهظة الثمن من بطاقات ائتمان العملاء.

وأدرت عليهم الخطة أموالاً طائلة استثمروا أرباحها في شركة اتصالات، ومصرف، وأكثر من 64 شركة وهمية، إلى جانب الحسابات البنكية خارج البلاد.

ورغم أنّ اعتقالات عام 2005 كانت آخر قضيةٍ كبيرة تتعلّق بالمواد الجنسية عبر الإنترنت، فإنه يُفترض أنّ العديد من عائلات المافيا متورّطةٌ في الاتجار بالجنس الذي يُسفر عن إنتاج المواد الجنسية.

2- تسجيل الموسيقى
لا شكّ أنك ستعرف الكثير عن تاريخ المافيا في صناعة التسجيلات الموسيقية إن شاهدت فيلم Jersey Boys. إذ يروي قصة فرانكي فالي وفرقة Four Seasons وعلاقتهم بجيب ديكارلو، رجل العصابات المرتبط بعائلة جينوفيز من نيوجيرسي.

وقبل سنوات قليلة، كان ويلي موريتي -من عائلة جينوفيز أيضاً- هو المسؤول عن بناء الحياة المهنية لفرانك سيناترا. ويُشاع أنّ مشهد فيلم The Godfather، حيث يُوجّه لوكا براسي مسدسه إلى رأس قائد فرقة موسيقية لإقناعه بالتخلّي عن عقد مُغني، مُستقى من قصةٍ حقيقية حدثت عام 1943 حين وضع موريتي مسدسه على رأس تومي دورسي نيابةً عن سيناترا.

وكانت المافيا هي القوة المُحرّكة وراء مجموعةٍ من أفضل الأغاني والمغنين في التاريخ. ورغم وعودها بحماية الفنانين، فإن المافيا كانت تُرهبهم وتبتزهم في نهاية المطاف.

وفي الثمانينيات، اشترى زعماء الجريمة المنظمة مصانع إنتاج الشرائط، وهو ما سمح لهم بإنتاج نسخ مُقلّدة من التسجيلات الأصلية وإغراق السوق بنسخ أقل سعراً.

لكن الصناعة تحوّلت إلى الشركات وصارت أقل ربحية منذ ذلك، لذا انخفض صوت موسيقى المافيا بالتبعية.

1- الأسماك
تناولك السمك في أيّ مكان بطول الساحل الشرقي للولايات المتحدة كان يعني على الأرجح أنّك دفعت نسبةً لعائلة جينوفيز الإجرامية أو شركائها.

ومنذ الثلاثينيات، أدار رجال المافيا بعائلة جينوفيز سوق سمك Fulton Fish، أحد أقدم وأهم مواقع تجارة جملة الأسماك في البلاد.

وحتى يومنا هذا، لا يزال السوق يُوفّر المأكولات البحرية الطازجة لغالبية أجزاء الساحل الشرقي.

واعتبرت المافيا هذا السوق الذي يتعامل بالنقود السائلة بمثابة موقعٍ مناسب لغسيل الأموال، والإقراض بفوائد باهظة، وتوظيف رجالها دون أن يضطروا للحضور.

وكشف نائب عام مدينة نيويورك رودي جولياني تلك العملية في الثمانينيات، واقترح أن تستحوذ الحكومة على السوق في التسعينيات. وحينها كان السوق يبيع نحو 56 مليون كغم من الأسماك الطازجة سنوياً، بقيمةٍ تتجاوز المليار دولار.

وانتقل سوق سمك Fulton Fish بعدها إلى برونكس، مع تواصل الجهود لإبقائه بعيداً عن أيدي الجريمة المنظمة، لكنّنا لا نعلم إن كانت الأوضاع قد تغيّرت فعلياً أم لا.

ومؤخراً في عام 2014، تبيّن أنّ أفراد عائلتي غامبينو وبونانو كانوا ضالعين في مخططٍ لشحن الكوكايين إلى نيويورك داخل علب الأسماك المُجمّدة للبيع بالجملة.

ولكن الخطة لم تكُن متعلقة بالأسماك على الإطلاق. في الواقع، توقّفوا عن استخدام معلبات الأسماك واستخدموا معلبات الأناناس المجمد وفق ما نشرته صحيفة NY Daily News.


لجأت إليه الحكومة لمساعدتها في الحرب العالمية الثانية.. «لوتشيانو» عرّاب المافيا الأمريكية وموحدها
لم تكن المافيا الإيطالية-الأمريكية في ولاية نيويورك عصابة واحدة في عالم الجريمة، بل كانت مكونة من خمس عائلات رئيسية متحاربة فيما بينها، ومع الوقت توحدت هذه العائلات لتشكل واحدة من أكبر عصابات المافيا في العالم.

المافيا الإيطالية-الأمريكية أكبر عصابات المافيا في العالم
لم تكن المافيا الإيطالية-الأمريكية في ولاية نيويورك عصابة واحدة في عالم الجريمة، بل كانت مكونة من خمس عائلات رئيسية متحاربة فيما بينها، ومع الوقت توحدت هذه العائلات لتشكل واحدة من أكبر عصابات المافيا في العالم.

وأصبح أي منا على دراية بعصابات المافيا الإيطالية-الأمريكية من خلال أفلام مثل The Godfather، Goodfellas، وDonnie Brasco.

Social Media/ المافيا الإيطالية-الأمريكية أكبر عصابات المافيا في العالم
Social Media/ المافيا الإيطالية-الأمريكية أكبر عصابات المافيا في العالم
المافيا الإيطالية-الأمريكية أكبر عصابات المافيا في العالم
وفق موقع All That Interesting Thing، فقد كان هناك رجلٍ واحدٍ لولاه ما تمكنت عصابات المافيا من الوصول إلى هذا المستوى من التأثير الكبير وهو تشارلز لوكي لوتشيانو.

ويرجع الفضل له في تنظيم العديد من الفصائل المتحاربة في عالم الجريمة بمدينة نيويورك وتقسيمها إلى خمس عائلات رئيسية لتشكل مجموعة واحدة.

فقد أصبح لوتشيانو أول زعيم لعائلة جينوفيزي الإجرامية القوية وأصبح معروفاً بأنه الأب الروحي للجريمة المنظمة الحديثة في الولايات المتحدة.

وساعد في تشكيل هيئة إدارة المافيا الأمريكية والتي سميت Commission والمستمرة في فرض سيطرتها في عالم الجريمة اليوم.

Reuters/ تشارلز لوكي لوتشيانو
Reuters/ تشارلز لوكي لوتشيانو
كيف حقق إيطالي مهاجر كل هذا؟
وُلد لوكي لوتشيانو باسم سالفاتوري لوكانيا في بلدية ليركارا فريدي في جزيرة صقلية بإيطاليا في عام 1897.

هاجر لوكي وعائلته وهو في سن العاشرة من صقلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً في الجزء الشرقي الأدنى من مدينة نيويورك المليء بالجرائم.

وعاشت عائلة لوكانيا مثلها مثل العديد من المهاجرين في ذلك الوقت في منزل مكتظ، ووجد لوكانيو نفسه في هذه السن الصغيرة في عالم الجريمة، وورد أنه تورط في عمليات سطو وسرقة وابتزاز وهو في سن الرابعة عشرة.

ولم يكن بالأمر المفاجئ أن يجلب الفتى معه بندقية للمرة الأولى إلى المنزل وهو في سن الرابعة عشرة وسرعان ما أصبح نشالاً ماهراً.

وبدأ الفصل الرئيسي التالي في حياة لوكي لوتشيانو الإجرامية عندما انضم لعصابة Five Points الخطيرة وبدأ في الاتجار في الهيروين.

ووفقاً لما كتبه الكاتب تيم نيوارك عن السيرة الذاتية للوتشيانو في كتابه Boardwalk Gangster: The Real Lucky Luciano، والتي ذكرها لوتشيانو فيما بعد، فقد كان لوتشيانو لديه عقلية رجل أعمال حتى وهو في هذه السن الصغيرة.

وعزم لوتشيانو على بناء نفسه من الصفر في عالم الجريمة لذلك قرر أمركة اسمه، أي تحويله إلى اسم أمريكي.

فاختار اسم تشارلي من أجل تجنب الإيحاء الأنثوي لـ “سالي” وهي الكنية لاسمه الحقيقي سالفاتوري.


تكوين عصابة
وكما كان متوقعاً، لن يتمكن تشارلز لوتشيانو من لعب مثل هذا الدور المتكامل في تاريخ الجريمة المنظمة بدون مساعدة آخرين.

وجاءت إحدى هذه المساعدات من ماير ساتشولجانسكي الذي عُرف فيما بعد باسم ماير لانسكي زعيم العصابة اليهودي سيئ السمعة، حيث صادف لوتشيانو لانسكي لأول مرة عندما كان الاثنان مراهقين في نيويورك.

اعترض الأطفال المولودون في إيطاليا في ذلك الوقت على العمل مع نظرائهم من اليهود، ولكن رأى لوتشيانو هذا الأمر بمثابة الفرصة بالنسبة إليه فبدلاً من تجنبهم، قام بابتزاز الأموال من الشباب اليهود.

ومع ذلك وكما تقول القصة عندما واجه لوتشيانو لانسكي رفض الأخير التراجع، وكانت هذه هي البداية للصداقة الطويلة بين لوكي لوتشيانو وماير لانسكي.

وذكرت ساندرا ابنة لانسكي في مذكراتها Daughter of the King: Growing Up in Gangland “في حين أن أبي لم يخبرني قط بأي شيء حول عمي تشارلي، إلا أن عمي تشارلي كان مسروراً بإخباري بكل شيء حول اليهودي الصغير القاسي الذي فاجأه بشدة من خلال تصديه لعصابات الشوارع القاسية.

أُعجب لوتشيانو بشدة بشجاعة لانسكي الذي كان أيضاً لديه مهارات في الرياضيات واستغلها بعبقرية في المقامرة.

وتعرف لوتشيانو أيضاً على صديق لانسكي المقرب زعيم العصابات سيئ السمعة بنيامين (بوجسي) سيجيل وأصبحوا معاً عصابة بوجس وماير.

وأدارت المجموعة الأولى أنشطة إجرامية منظمة ولكن عندما تم الحظر في عشرينات القرن الماضي، رأى هذا الاتحاد الإيطالي اليهودي فرصة في تهريب المشروبات الكحولية.

صعود لوكي لوتشيانو إلى السلطة
على الرغم من نجاح شراكات لوتشيانو مع زعماء العصابات الصاعدين من الشباب، ليس جميعهم أصدقائه، فعلى سبيل المثال، اختُطف لوتشيانو من قبل خصوم له في 17 أكتوبر/تشرين الأول عام 1929 وقاموا بضربه وشق حلقه وطعنه عدة مرات بمعول الثلج.

ووفقاً لأسطورة المافيا، تركوه ليموت في جزيرة ستاتن بنيويورك ولكنه نجا بأعجوبة ولكن مع ندبات في الوجه وعين متدلية.

وجاء لقبه “لوكي” أي المحظوظ للاعتقاد بأنه نجا من هذا الحادث المروع.

وأمنَ لوكي لوتشيانو لنفسه منصباً بحلول ذلك الوقت كملازمٍ للزعيم في نيويورك “ماسيريا”، وعندما أصبحت منظمة ماسيريا متورطة في أوائل ثلاثينات القرن الماضي في الحرب القاتلة للسيطرة على المؤسسات الإجرامية في نيويورك مع الوافد الجديد سالفاتوري مارانزانو، تم تجنيد لوتشيانو لتوريطه في عالم الجريمة.

وخلال هذه الحرب الغوغائية، ازداد الانزعاج بشدة لدى لوتشيانو وأصدقائه من زعماء العصابات الشباب من العصابات الإيطالية قديمة الطراز إذ إن رجالاً مثل ماسيريا أساليبهم قديمة ولا يتحدثون الإنجليزية كثيراً وأداروا منظمات إجرامية محدودة العدد.

لذلك قرر لوتشيانو التخلص تماماً من ماسيريا وإحكام سيطرته على عصابته.. أقام مأدبة عشاء في كوني آيلاند في بروكلين في منطقة للمأكولات البحرية تسمى نوفا فيلا تمارو.

واستأذن لوتشيانو في منتصف تناوله لوجبته ليذهب إلى الحمام وبعدها بفترة وجيزة اقتحم أربعة من زملائه منهم بوجسي سيجيل وفيتو جينوفيز والقاتل ألبرت أنستازيا المكان وقتلوا ماسيريا.

أصدقاؤه اليهود ساعدوه في اغتيال زعيم عصابات نيويورك
جاء مارانزانو بعد عدوه اللدود ماسيريا في قائمة اغتيالات لوتشيانو، وعند هذه النقطة أصبح مارانزانو أول capo di tutti capi (رئيس جميع الزعماء) والرجل الذي اعتبر زعيم الجريمة المنظمة في نيويورك.

ترأس لوتشيانو أربعة من رجال العصابات اليهود الذين تم تسليمهم من جانب ماير لانسكي إلى مقر مارانزانو وهناك قاموا بقتل مارانزانو وأنهوا بذلك فترة قيادته القصيرة.

أصبح لوتشيانو بحلول علم 1931 الزعيم بلا منازع لمدينة نيويورك على الرغم من أنه لم يأخذ مكان مارانزانو بشكل رسمي.

ومع ذلك، سأم لوتشيانو من إراقة الدماء، وبعد تأثره بسنوات عديدة من العنف وتأثره بشريكه المقرب لانسكي، اعتقد أن المافيا والتي تسمى عصابة تدعى كوزا نوسترا (Our Thing) يمكن أن تدار بكفاءة وبتنظيم بدلاً من أن تكون مجرد عصابة وحشية.

تنظيم اجتماع كبير في أمريكا بشيكاغو لزعماء الجريمة الإيطالية
بعد ذلك اتجه لوتشيانو لعقد اجتماع حضره زعماء العصابات الأربعة المتبقون في مدينة نيويورك وكانوا هم العائلات الخمس المستقبلية، إضافة إلى آل كابوني الزعيم الكبير ذي السمعة السيئة في شيكاغو.

أحدث لوتشيانو في الاجتماع ثورة في هيكل المافيا وأسس بكفاءة المافيا الأمريكية الحديثة، إذ قسم المجموعات الإقليمية إلى عائلات لتجنب إراقة الدماء في المستقبل.

وستبقى كل عائلة على أرضها وتختار عملاً وتتبع مجموعة مماثلة من القواعد وإلى جانب ذلك كل عضو من المافيا ينبغي أن يلتزم الصمت حول أنشطتهم. وأطلق على رمز الشرف هذا اسم ” o mertà”.

وفي الوقت نفسه، ستحافظ هيئة حاكمة شاملة تسمى اللجنة على السلام بين جميع العائلات وتحكم في المسائل المتنازع عليها.

أُعد النظام ببراعة لتجنب العنف بين العائلات المتنافسة ورجال العصابات من الأفراد إلى جانب الحفاظ على سرية عمليات المافيا.

لوكي لوتشيانو والقانون
على الرغم من نجاح لوتشيانو إلا أنه لا تزال هناك تهديدات تترصد به من جانب الحكومة الأمريكية.

وتراقب جهات تطبيق القانون عن كثب لوتشيانو وذلك على غرار نظرائه آل كابوني والعديد من الشخصيات البارزة الآخرى في عالم المافيا.

وعاش لوتشيانو في هذه الأثناء حياة مترفه إذ اشترى ملابس من الحرير والفراء للعديد من النساء وصاحب المطرب فرانك سيناترا وعاش في جناح بفندق والدورف أستوريا بمدينة نيويورك.

حكم عليه بالسجن 30 عاماً، لكنه بقي يدير أعماله خلف القضبان
وأخيراً في عام 1935، كان لدى المدعي الخاص توماس ديوي الدلائل الكافية لاتهام لوكي لوتشيانو بتسهيل الدعارة.

بلغت قيمة الكفالة التي دفعها لوتشيانو نحو 350 ألف دولار بما يعادل 6 ملايين دولار في يومنا هذا، وبذلك الوقت كان هذا المبلغ رقماً قياسياً في نيويورك.

أدان العشرات من الشهود لوتشيانو ووجدت المحكمة أنه مذنب في 62 تهمة. وفاز ديوي بعد أن حُكم على لوتشيانو بالسجن لمدة 30 سنة.

وعلى الرغم من مكوثه خلف القضبان وتحت حراسة مشددة إلا أن لوتشيانوا استطاع إدارة أعماله من داخل السجن.

جعل لوتشيانو مسجونين آخرين يقومون بما يتوجب عليه فعله داخل السجن من إعمال وحتى أنه أرغم واحداً منهم على أن يكون الطاهي الشخصي له.

ولكن صمم لوتشيانو على الخروج من السجن وأتاحت بداية الحرب العالمية الثانية هذه الفرصة بشكل كبير له.

أمريكا لجأت إليه لمساعدتها!
وسط تخوف الأمريكيين من محاولات القوات الأجنبية تخريب موانئ الساحل الشرقي لأمريكا ومن دعم العمال بالميناء الأيطالي- الأمريكي سراً لبينيتو موسوليني لذلك لجأت إلى طلب مساعدة لوتشيانو المسجون.

عرضت القوات البحرية الأمريكية عليه تخفيض عقوبته مقابل معلومات ومقابل مساعدته في عمليتها، فيما أطلق عليها اسم عملية Operation Underworld (عملية عالم الجريمة) لأسباب واضحة؛ إذ إنه لم يكن هناك أحد سوى لوكي لوتشيانو ليكون كعيون وآذان القوات البحرية الأمريكية.

نفي لوكي لوتشيانو إلى ايطاليا
لم تتوقف مساعدة لوتشيانو للحكومة الأمريكية حسبما زعم عند عملية عالم الجريمة؛ إذ قيل إنه ساعد الجيش الأمريكي على غزو مسقط رأسه صقلية في عملية سميت عملية هاسكي Operation Husky.

وأخيراً في عام 1946 أصدر توماس ديوي الذي وضع لوتشيانو خلف القضبان عفواً مقابل خدماته التي قدمها أثناء فترة الحرب، لكن نظراً لتأثيره الإجرامي، لم تكن الحكومة الأمريكية على استعداد لجعل لوتشيانو يسير بحرية في الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك نُفي إلى إيطاليا.

وفاة زعيم المافيا الأمريكية
لم يمض وقت طويل حتى حاول لوتشيانو الانتقال إلى هافانا ولكن الحكومة الكوبية أرسلته إلى وطنه أيضاً.

ومع اختفاء لوتشيانو عن الساحة، ملأ فيتو جينوفيزي وكارلو جامبينو فراغ السلطة وحتى أنهم قتلوا العديد من الشركاء السابقين للوتشيانو.

ومن بين العديد من النساء اللاتي واعدهن لوتشيانو، فقد استقر في النهاية مع امرأة واحدة لوقت طويل وكانت راقصة باليه تصغره بعشرين عاماً تدعى إيجيا ليسوني في عام 1948. عاشا سوياً في منزله بنابولي حتى وفاتها بسرطان الثدي في عام 1952 ولم تنجب أي أطفال.

وذُكر عن لوتشيانو أنه قال: “لا أريد أي ابن لي ليعيش كابن للوتشيانو زعيم العصابة”.

استمر لوتشيانو على الرغم من نفيه في إدارة أنشطة إجرامية في صقلية لمدة 15 عاماً أخرى قبل وفاته بسكتة قلبية في 26 يناير/كانون الثاني عام 1963. وجاءت وفاته قبل اعتزام السلطات الإيطالية القبض عليه بتهمة تهريب المخدرات.

أُعيد جثمان لوتشيانو إلى الولايات المتحدة لدفنه هناك وحضر مراسم الدفن آلاف الأشخاص المعجبين به كشخص يمكن القول إنه صمم الجريمة الأمريكية المنظمة كما نعرفها.

اليوم، يمكن لعشاق المافيا زيارة قبره في مقبرة سانت جون بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك.


بدأت حركة ثورية ضد الاستعمار منذ 8 قرون، ثم تحوّلت إلى عصاباتٍ مرعبة.. قصة المافيا الإيطالية وتاريخها
على مرّ سنين، أكثر من قرن، أثارت المافيا التي ارتبط اسمها عادةً بإيطاليا، الرعب والإثارة معاً في قلوب الناس، بسبب خطورتها وقسوة أعمالها التي تتسم بالعنف والدموية، في سبيل الحصول على المزيد من المال والقوة والنفوذ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى