أسرار الزواج السياحي في مصر

هاني جرجس عياد

بعيداً عن حدود الوطن الجغرافية ، وخوفاً من الاقتراب من الخطوط الحمراء ، يتم وبهدوء شديد بعضاً من أشكال الزواج ، والذي يندرج تحت مسمى «الزواج السياحي» ، بين أنثى باحثة عن الاستقرار المادي أو المعنوي ، ورجل يحاول النجاة بنفسه خوفاً من الوقوع في شباك الغريزة الجنسية المحرمة ، فَيُعقد اتفاقاً بينهما للاستمتاع الغريزي المؤقت ، شريطة أن يصبح الإنجاب غير قابل للطرح أو النقاش ، أمام المأذون الشرعي وشاهدين اثنين ، لينتهي هذا «الزواج» في لحظة ودون أية مقدمات حتى من مجرد مشاهد الوداع الحارة بينهما ، بعد أن يؤكد « الزوج السائح» حجز المغادرة للعودة إلى دياره من رحلته السياحية القصيرة ، تاركاً وراءه مجموعة من الذكريات والتي قد تتحول في وقت ما إلى سلسلة من الأحداث المؤلمة ، لعل أصعبها رفضه لوجود طفل قدره أن يكون نتاج علاقة زوجية عابرة .

ورغم اختلاف الآراء حول صحة هذا النوع من الزواج من الناحية الشرعية ، في ظل نية الزوجين الطلاق بعد انقضاء فترة إجازة الصيف أو مدة الغياب خارج البلاد ، فإن البعض خاصة كثيري السفر مثل رجال الأعمال يرون أنه وسيلة مناسبة تقيهم الانحراف في الخارج أمام مغريات كثيرة قد تقابلهم خارج الوطن وكذلك فإنهم يرون أن اجتماعات ومناسبات العمل في الخارج تتطلب مرافقة الزوجة لزوجها .

ويحرص رجال الأعمال على اشتراطات معينة لا بد من توافرها في زوجات السفر كما تسميها بعض الخاطبات ، ومن أهم تلك الاشتراطات ، إجادة اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة ، ورشاقة القوام ، وجمال الوجه ، واللباقة ، وأن لا تجد مانعاً في حضور الحفلات الخارجية والتي تستدعي السفر والاختلاط .

وقد أكدت دراسة فرنسية أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية التي ينتشر فيها ما يعرف بالزواج السياحي ، فقد بلغ عدد حالات الزواج السياحي في العام 2007 أربعين ألف حالة ، وكانت تقارير تحدثت عن ظاهرة زواج أبناء مدينة الأقصر السياحية من سيدات كبيرات في السن .

ليست الدراسة الفرنسية وحدها التي انتهت إلي تلك النتيجة فقد أكدت العديد من الدراسات التي أجريت في كثير من الدول العربية عن هذه الظاهرة الخطيرة أن الشباب والفتيات الذين يقبلون على هذا النوع من الزواج يكونون غالباً من صغار السن ، حيث يتفاوت عمر الزواج السياحي الذي يجب أن تراعى فيه سلامة العقد والمهر وموافقة ولي الأمر بين الأسبوعين والشهرين وإذا تأخر هذا الزواج قد يصل إلى السنة .

وقد كشفت دراسة مصرية أجريت أخيراً عن الآثار الاجتماعية التي تسببها ظاهرة الزواج السياحي واستهدفت40 فتاة من الفتيات اللاتي جربن هذا الزواج أو قريباً منه أن ضحايا هذا الزواج الصيفي في الغالب من الفئات العمرية 20 ـ 24 عاماً بنسبة 38 % تليها الفئة العمرية من 15 – 19 عاماً بنسبة 35 % وجاءت في المرتبة الدنيا الفتيات من الفئة العمرية 25 ـ 29 عاماً بنسبة 20 % من إجمالي العينة .

ومن خلال المعطيات الإحصائية تبين أن غالبية فتيات الزواج الصيفي أو الزواج السياحي من ذوات التعليم الثانوي بنسبة 30% تليها ذوات الشهادات الابتدائية بنسبة 22.5 % وحلت ثالثاً الفتيات من ذوات الشهادات الإعدادية بنسبة 17.5 % تليها فئة الجامعيات بنسبة 12.5 % ثم من يُجِدن القراءة بنسبة 7.5 % فيما تساوت نسبة الفتيات اللواتي يحملن شهادات الدبلوم من مثيلاتهن الأميات بنسبة 5% .

وبينت الدراسة من خلال تحليل معطيات الاستبيان الخاصة بمكان إقامة أفراد العينة أن معظم أفراد العينة يقطنون في المدينة ويشكل هؤلاء نسبة 92.5 % من إجمالي عينة البحث فيما لم تشكل فئة القاطنين في الريف سوى 7.5 % من عينة الدراسة .

وأوضحت الدراسة أن نسبة أكبر من العائلات التي ترتضي الزواج السياحي لبناتها هي عائلات متوسطة الحال بنسبة 57.5 % تليها بفارق كبير العائلات الفقيرة التي شكلت نسبة 30 % فقط من عدد العينة المدروسة ،وشكلت العائلات الغنية مستوى أدنى بقليل من نصف العائلات الفقيرة بنسبة 12.5 % من إجمالي عينة البحث .

وقد أصدر مركز عيون للدراسات وتنمية حقوق الإنسان والديمقراطية دراسة جديدة حول انتشار ظاهرة الزواج السياحي في بعض قرى ومحافظات مصر خاصة في قرية الحوامدية التابعة لمدينة السادس من أكتوبر. وقد قامت الدراسة بوضع مفهوم للزواج السياحي ووصفته بأنه صفقة تتمّ أثناء الإجازة السياحية لثريٍ عربي بمصر، بين أسرة مصرية والثري على زواج أبنتهم عن طريق سمسار لمدة محددة مع عدم إلزامه بدفع أي نفقات أو مؤخر أو صحة للعقد.

وأظهرت النتائج البحثية للعينة المفحوصة أن 80 % من العينة أشاروا إلى أن الفقر هو السبب الأول لقبول تزويج بناتهن زواج سياحي بينما أرجع ما يقرب من 7 % من العينة إلى أن عدم دراية الأسرة بمخاطر الزواج السياحي يدفعهم للقبول بينما أشار 5% من العينة المفحوصة إلى أن الرغبة في الثراء السريع هو السبب الأول لانتشار هذا النوع من الزواج ، بينما رأى ما يقرب من 6 % من العينات المبحوثة أن هناك أسباب أخرى لقبول الزيجات الصيفية ومنها الاعتياد على الأمر أو أنهم وجدوا العديد يفعلون ذلك .

وأشارت الدراسة إلى أن الفقر هو الستار الذي يخفي ورائه الأهالي السبب الرئيسي في قبول تلك الزيجات بدلاً من الطمع والرغبة في الثراء والتي لها دور رئيسي في استمرار هذه الزيجات – وذلك حسبما أشار العديد من الأهالي بشكل غير رسمي – مع العلم أن هناك العديد من الأسر الأكثر فقراً لا يلجئون لمثل هذا النوع من الزيجات ، و تعد الرغبة في الثراء السريع السبب الأبرز في استمرار هذه الزيجات نظراً إلى أنه وفى بعض الأحيان تكون الزيجة مثمرة جداً مادياً ولا تحتاج الأسرة بعدها إلى المزيد من الزيجات فقد أصبحت معتدلة مادياً ، لكن للرغبة في الثراء والخوف من الجوع والفقر يدفع الأهإلى إلى التمادي في بيع فتياتهم .

وأوضحت الدراسة أن نسبة أكبر من العائلات التي ترتضي الزواج السياحي لبناتها هي عائلات لا يعمل فيها رب الأسرة بنسبة 67 % تليها بفارق كبير العائلات الفقيرة التي يعمل رب الأسرة فيها بنسبه 33 % فقط من عدد العينة المدروسة وشكلت العائلات الفقيرة المستوى الأعلى للقبول بزواج بناتهم سياحياً حيث سجلت نسبة 83 % من إجمالي عينة البحث .

ولكن أخطر ما جاء بالدراسة بأن العينة محل البحث دائمة تكرار عملية الزواج السياحي بل أنه على حد قول إحدى الفتيات أنها باتت عادة صعب الامتناع عنها ، وقد بلغت نسبة الفتيات ممن تزوجن مرتين 83% بينما بلغت نسبه الفتيات ممن تزوجن لأكثر من ثلاث مرات 17% من إجمالي العينة المدروسة .

أن مثل هذا النوع من الزواج وهذا العمر الزمني له “من أسبوعين إلى شهرين” لا يولد إلا نوعا من التفكك الأسري . كما تنعكس آثاره السلبية على أخلاق المجتمع وتماسكه وسلوكياته وقدراته العامة . أن مأساة الكثيرات من الفتيات في عمر الورود أنهن يذهبن إلى جحيم نزوات ورغبات وطمع وجشع الآباء إضافة إلى أن هناك أناسا فقراء أعميت أبصارهم ورأوا أن حفنة من المال أثمن من سعادة فلذات أكبادهم . أن الأزواج الصيفيين ذوي قواسم مشتركة في اختيار فرائسهم من الفتيات فهم جميعاً يسعون للتمتع بزهرة شباب الفتيات وهدفهم هو المتعة الجسدية بعيداً عن أي التزام أو مسؤولية أخلاقية أو اجتماعية أو دينية وإنسانية وذلك بغرض تعويض الحرمان الذي ساد حياتهم .

مع هذا الأثر الذي يمكن أن يتركه هذا النوع من الزواج فقد نجد أن هناك مجموعة من الأسباب التي قد تقف وراء هذا الزواج تتلخص في رغبة الفتيات في التمتع برفاهية العيش مع هؤلاء الأزواج نظراً إلى حالتهم المادية المرتفعة واعتقادهن بعدم مخالفة هذا الزواج لتعاليم الشريعة الإسلامية ، ورغبتهن في الخروج من الدائرة المفروضة عليهن من الضغط الاجتماعي وهرباً من المشكلات العائلية في عائلاتهن ورغبتهن في الهجرة خارج بلادهن مع أزواجهن والبحث عن الرفاهية في بلد هذا الزوج ورغبتهن في الحصول على مال وفير إضافة لجهل أولياء أمورهن بمقاصد الزوج ونواياه المبيتة وضعف الحالة الاقتصادية لديهم ورغبتهم في الحصول على مهر عالي . مما سبب حرمان الفتاة من حقها المشروع في اختيار الزوج فهي إما تابعة لوالدها الذي يقرر ما يناسبه أو ضحية لتضليل بعض أفراد عائلتها الذي يدعي معرفته بالزوج الذي يرسم صورة سحرية له في ذهن الفتاة فتقبل الزواج طمعاً في تحقيق أحلامها .

إن الزواج السياحي يمكن أن يطلق عليه زواج المصلحة حيث أن الرجل يبحث عن المتعة بينما تبحث العروسة وأهلها عن المال أو تحسين الظروف المعيشية . أن ظاهرة الزواج السياحي تفرز مجموعة من المشاكل ، منها أطفال عديمو النسب ، وأمهات أطفال ومطلقات وحالات دعارة تحت عباءة زواج غير متكافئ ، واضطراب نفسي لفتيات صغيرات غالباً ما يتعرضن لحالات اغتصاب من الزوج العربي تحت عباءة الزواج ، واعتياد الفتيات على تعدد الزيجات من السائحين العرب ، بشكل يكون أقرب لاعتيادهن على ممارسة الدعارة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى