إقتصادفي الواجهة

التكتلات الاقتصادية العالمية

النشاط الاقتصادي والتكتلات الاقتصادية العالمية

مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق

العالم اليوم تحركه السياسة، وتحركه الحروب والنزاعات، ومشاريع الهيمنة والاستحواذ، ومفاعيل القوة، كما تحركه قوة الاقتصاد. كل شيء متحرك في هذا العالم لا يتم إلاَّ حسب الاستراتيجيات الاقتصادية.
فالاقتصاد اليوم، وغداً، هو المسيطر على أهم قرارات العالم، هو الجاذبية المطلقة التي تؤاخي بين البلدان فتكون صداقات وتكتلات اقتصادية وتعاون، وهو الجاذبية المطلقة التي تنفّر البلدان بعضها من بعض أحياناً فتكون العداوات. فلا شيء، خارج حياض الاقتصاد، فالاقتصاد لا يعني التكتلات والتجارة، والأسواق، والاتفاقيات، والأرباح المادية فحسب كما يظن الكثيرون، وإنما يعني العولمة بمعناها الصحيح بوصفها الحامل للثقافات الوافدة، والعادات، والتقاليد، والسلوكيات، والتصورات. أي هو نظام هو بيئة اجتماعية جديدة تحيّد بيئة اجتماعية قارّة فتحلُّ في مكانها وتأخذ أدوارها فتغير منظومة القيم والمرجعيات المعرفية وفق مصالحها وتوجهاتها وأهدافها البادية والمضمرة. إذن، الاقتصاد، هو المرآة التي تمشي وفقها الجماعات، والمجتمعات، والدول، الهدف المباشر والأبعد لكل ما يحدث في كوكبنا.
عاشت الإنسانية متنقلة في مرحلة ما قبل الزراعة، ثم دخلت عهد الاستقرار والزراعة، فكان ذلك ولادة جديدة لها تطلبت منها تكيفاً مع أساليب تقسيم العمل الاجتماعي، وتوزيع الإنتاج محاولة منع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولكيلا تكون الأموال دولة بين الأغنياء، ثم تابعت الإنسانية سيرها إلى عصر الصناعة فعصر المعلومات. ربما قبل عشرة آلاف سنة لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً. لم يكن يعرف كيف ينتج غذاءه، ولا كيف يستر جسده، ثم رأينا كيف تعلم الزراعة والحرفة والصناعة وتسخير مصادر الطاقة لخدمته خلال عشرة آلاف عام.
النشاط الاقتصادي نهر يعبر العالم منذ بدء الخليقة، يمر خلال المدن والقرى، يغذي السكان بموارده ومنتجاته ومصادر الطاقة المتوفرة والمحدودة، يتدفق في أرض كل شعب، ومجال كل فرد، يفيض من الساعات اليومية التي لا تغيض، ولكنه في بعض الأحيان يصير ( ثروة ) في مجال محدد، وفي حين آخر يتحول عدماً في مجال آخر. يمر خلال الحياة، ويصب في الأرض والتاريخ والمنتجات والقيم التي منحها للبشرية من خلال ما أنجز من أعمال. ويحتل النشاط الاقتصادي مركزاً أساسياً في بناء الحضارة الإنسانية، ومواجهة التخلف لقهره وتجاوزه. يدعو إلى تعريف الثقافة الاقتصادية على ضوء حالتنا الراهنة، وحسب مصيرنا. ويحدد لنا العناصر الجوهرية اللازمة لتحسين مستوى معيشة السكان وبناء الحضارة.
تمثل الأفكار الاقتصادية البدايات لحل المشكلة الاقتصادية ومشاكل الناس الحياتية. ويتضمن النشاط الاقتصادي أربعة عناصر رئيسة لاستمرار الحياة البشرية هي: الإنسان، والطبيعة، ورأس المال والمنظم. وهذا يعني أن بناء الحضارة الإنسانية مشروط بهذه العناصر الأربعة وتنميتها. وحاصل البحث أن قضية رفاه الفرد وتطور المجتمع منوطة بفكرة التوجيه والإدارة في النواحي الآتية:
• توجيه الثقافة الاقتصادية،
• توجيه العمل،
• توجيه رأس المال،
• توجيه التنمية المستدامة.
وتعني فكرة التوجيه والإدارة: قوة الأساس وتوافقاً في السير ووحدة في الهدف، وتجنب الإسراف في الجهد والوقت والموارد.
التكتل الاقتصادي هو مجموعة ترتيبات تهدف إلى تعزيز حالة التكامل الاقتصادي بين دولتين أو مجموعة من الدول من خلال تحرير التبادل التجاري وتنسيق السياسات المالية والنقدية فيما بينها، وتحقيق نوع من الحماية للمنتجات الوطنية، كما يهدف إلى تخفيض تكلفة التنمية عبر تخفيض تكاليف الإنتاج والاستيراد وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين المناخ الاستثماري وتوسيع دائرة السوق وتوحيد أو تقارب التسهيلات والحوافز والإعفاءات الخاصة بالاستثمار. وتنسيق السياسات الاقتصادية لمواجهة المشكلات والأزمات الاقتصادية.
ظهر العديد من التكتلات الاقتصادية في الاقتصاد العالمي أهمها: الاتحاد الأوروبي E U ويضم 27 دولة أوروبية، منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (النافتا NAFTA)، ومجموعة دول النمور الآسيوية (Asian Tigers)، ورابطة جنوب شرق آسيا (الآسيان ASEAN)، وجماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية (أيبك APEC)، وتكتل رابطة دول أمريكا اللاتينية، وتكتل مجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى، وتكتل دول البريكس (BRICS)، وتكتل مجموعه العشرين الاقتصادي (G 20 )، إضافة إلى التكتلات الاقتصادية في القارة الأفريقية وتجارب التكتل الاقتصادي في الوطن العربي.
في ظل التكتلات الاقتصادية أصبح الاقتصاد العالمي أكثر ديناميكية، وخاصة بعد أن ظهرت درجات مختلفة من التكتلات الاقتصادية، منها على سبيل المثال الاتحاد الأوربي الذي يشكل نموذجاً متطوراً للتكتل الاقتصادي، يليه التكتل الاقتصادي لأمريكا الشمالية النافتا، رابطة جنوب شرق آسيا الآسيان، والحلف التجاري لأمريكا اللاتينية الذي يمثل درجة متوسطة من التكتل التجاري والمالي، جماعة التعاون الاقتصادي لآسيا الباسيفيكية والمعروفة باسم أيبك، ومجموعة دول البريكس وانتهاء بمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وهي أدنى درجات التكامل الاقتصادي.
مع نهاية الألفية الثانية في عام 1995 تم التحول من الاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات (الغات G A T T) إلى منظمة التجارة العالمية W T O التي تسعى لتحرير التجارة، وجولات مفاوضات اتفاقيات الغات السبع، وإعلان قيام منظمة التجارة العالمية ومؤتمراتها، وأهم مزايا النظام التجاري المتعدد للمنظمة وتحرير التجارة، حيث تم تحديد أهداف منظمة التجارة العالمية وهيكلها وشروط العضوية والمبادئ التي تقوم عليها المنظمة، والاتفاقيات التي أقرها مؤتمر المنظمة العالمية للتجارة في مراكش عام 1994، حدد الهيكل التنظيمي وشروط العضوية في منظمة التجارة العالمية. والخطوات العملية للانضمام للمنظمة، والنتائج الاقتصادية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، الحقوق والالتزامات. وآثار اتفاقيات الغات ومنظمة التجارة العالمية في البلدان النامية.
كلية الاقتصاد – جامعة دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى