آليات البناء السياسي والدستوري للدولة ..كما يجب ان تكون
الآليات التي يضعها المجتمع من أجل تنظيم شؤونه - 1- انتقال السلطة
حسين محمود التلاوي
في اتجاه المجتمع نحو التطور والاستمرار يضع العديد من الآليات التي بواسطتها يصرف شؤونه؛ وذلك على المستويين الفردى والجماعى. وتتعدد الآليات بتعدد المجالات والشؤون في داخل المجتمع؛ فالمجال السياسى غير الثقافي، غير الاجتماعي وهكذا.. إذن هناك مجالات متعددة كبرى، وفى داخل كل مجال، هناك آليات تنظم العمل فيه. لكن ما أبرز المجالات العامة التي تحكم السلوك الإنساني في أي مجتمع؟! أهم هذه المجالات هي:
أ. المجال السياسى (السلطة وانتقالها): تختلف النظم السياسية التي يتبعها الإنسان في حياته؛ فهناك الديمقراطي والديكتاتوري، وهناك الملكى والجمهوري، وما إلى ذلك؛ أي إننا قد نرى العديد من الآليات التي تختلف باختلاف النظام الموجود× وهذا سيؤدى إلى الدخول في تفاصيل التفاصيل في النظم السياسية. إلا أننا سوف نتحدث عن الآليات العامة لتداول السلطة باعتبارها مؤشرًا على إيجابية المجتمع أو سلبيته؛ وذلك بالتعرض للأطر العمومية بعيدًا عن التفاصيل:
1. الانتخابات: من الآليات الشائعة في نقل وتغيير السلطة في مختلف المجتمعات الإنسانية سواءً كانت ديمقراطية أم ديكتاتورية. ويجري توظيفها حسب الرغبة منها؛ ففى المجتمع الديمقراطى، تكون الانتخابات وسيلة لإيجاد نظام حاكم يسير شؤون البلاد والمجتمع، ينبع من رغبات المواطنين التى تتفق في النهاية مع الأهداف العامة للمجتمع. أما في المجتمعات الديكتاتورية، فإن هذه الوسيلة تتبع من أجل إكساب الشرعية للنظام الحاكم على المستويين الداخلي والخارجي؛ بغض النظر عن درجة اقتناع هذا الداخل وذاك الخارج بصدقية النتائج.
2. الانقلابات: تعتبر الانقلابات العسكرية السلمية والدموية من الآليات المتبعة في تغيير نظم الحكم. وهذه الانقلابات — مثل كل شىء إنساني — لها وجهان؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبى؛ فالانقلابات الإيجابية تلك التي تأتى من أجل الإطاحة بنظام فاسد ديكتاتورى أو “سلبى” لوضع نظام حكم “إيجابى”. وإن كانت هذه الانقلابات — في الغالب — تأتى بنظم أسوأ من التي تلك التي تمت الإطاحة بها. كذلك هناك الانقلابات السلبية؛ والتي تطيح بنظم حكم جيدة من أجل تحقيق مصالح فئة محدودة؛ هي الفئة التي نفذت أو حرضت على الانقلاب، ومن يدعمونها من قوى في المجتمع.
3. توريث الحكم: يعتبر نقل الحكم عن طريق الوراثة إحدى الطرق التي تتبع في المجتمعات الإنسانية سواء تلك التي لها وحدة سياسية — الدولة — أو تلك التي تقتصر وحدتها على الطابع الاجتماعى؛ مثل القبيلة، والعشيرة. وتشيع هذه الطريقة في المجتمعات السلبية التوجه؛ إذ أنها تكرس السلطة في يد فئة معينة تتوارث الهيمنة، والسيطرة حارمةً الفئات الأخرى من الدخول في لعبة الحكم، وممارسة السلطة. إلا أن هذه الوسيلة توجد في المجتمعات الإيجابية أيضًا، ولكن في المجتمعات ذات الوحدة الاجتماعية فقط؛ حيث من النادر أن نجد دولة نظامها ملكي تحظى برضى غالبية الشعب. والأمثلة على هذه الحالات قليلة بالفعل في كتب التاريخ.
4. الثورات الوطنية: أيضًا نرى دورًا كبيرًا للثورات الوطنية في نقل الحكم من يد فئة إلى يد فئة أخرى أقدر على إدارته — من وجهة نظر مفجري الثورة — من الفئة التي وجهت الثورة ضدها. وكما في الانقلابات، فإن الثورات قد تحدث في مجتمع إيجابي أو سلبي، وتنقل المجتمع إما باتجاه إيجابي أو سلبي أو تزيده سلبية. لكن الثورات لا تحدث أبدًا في مجتمع إيجابي؛ كى تزيده إيجابية. وتختلف فكرة الثورة عن فكرة الانقلاب؛ فالثورة تقوم بها فئات مختلفة من الشعب، وتكون في الغالب جماهيرية، إما الانقلاب فلا يطلق إلا على حركات التغيير التي يتزعمها الجيش. لكن هناك حالات يتحول فيها الانقلاب إلى ثورة مثل الثورة المصرية عام 1952م. والتى بدأت بحركة من الجيش سرعان ما نالت التأييد الشعبى؛ فاستحالت ثورة كاملة أطاحت بحكم ملكى وأتت بنظام جمهورى. وذلك بعد ما ثبت من أن أثارها كانت أثارًا ثورية لا مجرد انقلاب عسكرى.
كانت هذه أبرز الوسائل التي يمكن أن تستخدمها المجتمعات من أجل إحداث حركة سياسية لتغيير نظام، ووضع نظام أخر لحكم المجتمع. وإن كانت هناك العديد من الوسائل الى تتبع في ذلك كاستخدام سلطات الاحتلال لسلطة وطنية في حكم الدولة والمجتمع، وما إلى ذلك لكن الوسائل المذكورة هي الأبرز في عالمنا.